80.ح مصاحف

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf|تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 مايو 2016

3.أول طعام يأكله أهل الجنة بعد دخولهم الجنة وأحاديث جيدة أخري

أحاديث أخر شتى : قال الحسن بن عرفة : حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك لتنظر إلى الطير فتشتهيه ، فيخر بين يديك مشويا " . وقال : الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، عن فليح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما وهو يحدث ، وعنده رجل من أهل البادية : " إن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه ، عز [ ص: 323 ] وجل ، في الزرع ، فقال له ربه سبحانه : ألست فيما شئت ؟ قال : بلى ، ولكني أحب أن أزرع " . قال : " فبذر ، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده ، فكان أمثال الجبال " . قال : " فيقول له ربه ، عز وجل : دونك يا بن آدم ، فإنه لا يشبعك شيء " . قال : فقال الأعرابي : والله ما تجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا ; فإنهم أصحاب زرع ، فأما نحن فلسنا بأصحابه . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي عبد الملك بن عمرو ، به

أول طعام يأكله أهل الجنة بعد دخولهم الجنة

روى الإمام أحمد عن إسماعيل ابن علية ، عن حميد . وأخرجه البخاري من حديثه ، عن أنس ، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة - عن أشياء ، منها : وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ فقال : " زيادة كبد حوت " .

وفي " صحيح مسلم " من رواية أبي أسماء ، عن ثوبان ، أن يهوديا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : " زيادة كبد الحوت " . قال : فما غذاؤهم على إثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل [ ص: 324 ] من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين تسمى سلسبيلا " . قال : صدقت .

وفي " الصحيحين " من حديث عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة ، يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر ، نزلا لأهل الجنة " . فأتى رجل من اليهود ، فقال : بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة ؟ قال : " بلى " . قال : تكون الأرض خبزة واحدة يوم القيامة . ثم قال : ألا أخبرك بإدامهم ؟ قال : " بلى " . قال : إدامهم بالام ونون . قال : " وما هذا ؟ " قال : ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفا .

وقال الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، في قوله تعالى : يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك [ المطففين : 25 ، 26 ] . قال : الرحيق الخمر ، مختوم يجدون عاقبتها ريح المسك .

وقال سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ومزاجه من تسنيم [ المطففين : 27 ] . قال : التسنيم أشرف شراب أهل الجنة ، يشربه المقربون صرفا ، ويمزج لأصحاب اليمين .

[ ص: 325 ] قلت : وقد وصف الله خمر الجنة بصفات جميلة حسنة ليست في خمور الدنيا القذرة ، فذكر أنها أنهار جارية ، كما قال تعالى : وأنهار من خمر لذة للشاربين [ محمد : 15 ] . فهي أنهار جارية مستمدة من عيون تنبع من تحت جبال المسك ، وليست معتصرة بأرجل الرجال الأراذل في أسوأ الأحوال ، وذكر أنها لذة للشاربين ، وليست كخمر الدنيا من كراهة الطعم ، وسوء الفعل في العقل ، ومغص البطن ، وصداع الرأس ، فقد نزه الله أهل الجنة عن ذلك كله ، ونزه خمرها أن يكون فيه شيء من ذلك كما قال تعالى : يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون [ الصافات : 45 - 47 ] . " بيضاء " أي حسنة المنظر ، لذة : طيبة الطعم ، لا فيها غول الغول : وجع البطن ، ولا هم عنها ينزفون أي : لا تذهب عقولهم ، وذلك أن المقصود من الخمر إنما هو اللذة المطربة ، وهي الحالة المبهجة التي يحصل بها سرور النفس ، وهذا حاصل كامل تام في خمر الجنة ، فأما ذهاب العقل بحيث يبقى شاربها كالحيوان والمجنون ، فهذا نقص إنما ينشأ عن خمر الدنيا ، فأما خمر الجنة فلا تحدث لشاربها شيئا من هذا وإنما تحدث السرور والابتهاج ، ولهذا قال تعالى : لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون أي : تنزف عقولهم ، فتذهب بالكلية بسبب شربها .

وقال في الآية الأخرى : يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون [ الواقعة : 17 - 19 ] . أي : لا [ ص: 326 ] تورث لهم صداعا في رءوسهم ، ولا تنزف عقولهم .

وقال في الآية الأخرى : يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون [ المطففين : 25 - 28 ] .

وقد ذكرنا في " التفسير " عن عبد الله بن مسعود : إن الجماعة من أهل الجنة ليجتمعون على شرابهم كما يجتمع أهل الدنيا ، فتمر بهم السحابة ، فتقول : ما تريدون أن أمطركم فلا يشاءون شيئا إلا أمطرت عليهم ، حتى إن منهم من يقول : أمطرينا كواعب أترابا . فتمطرهم كواعب أترابا .

وتقدم أنهم يجتمعون عند شجرة طوبى ، فيذكرون لهو الدنيا ، وهو الطرب ، فيبعث الله ريحا من الجنة ، فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا ، وفي بعض الآثار : إن الجماعة من أهل الجنة ليجتازون ، وهم ركبان سائرون صفا واحدا ، فلا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا تنحت عن طريقهم ، لئلا تثلم صفهم وتفرق بينهم وأتحفتهم من ثمرها . وهذا كله من فضل الله عليهم ورحمته بهم ، فله الحمد والمنة ، وذلك قوله : رأيت نعيما وملكا كبيرا [ الإنسان : 20 ] .

[ ص: 327 ] والأكواب هي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم ، والأباريق بخلافها لها عرى وخراطيم ، والكأس هو القدح فيه الشراب ، وقال تعالى : وكأسا دهاقا [ النبأ : 34 ] . أي ملأى مترعة ، ليس فيها نقص ، لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا [ النبأ : 35 ] . أي لا يصدر منهم ، على شرابهم ، شيء من اللغو ، وهو الكلام الساقط التافه ، ولا تكذيب لبعضهم بعضا ، كما يصدر من شربة الدنيا ، كما قال تعالى : لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما [ مريم : 62 ] . وقال : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما [ الواقعة : 25 ، 26 ] . وقال تعالى : لا تسمع فيها لاغية [ الغاشية : 11 ] .

وثبت في " الصحيحين " ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة "




  لباس أهل الجنة فيها وحليتهم وصفات ثيابهم نسأل الله تعالى من فضله

قال الله تعالى عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة [ الإنسان : 21 ] وقال تعالى : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير [ فاطر : 33 ] وقال تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق [ الكهف : 31 ] [ ص: 328 ] وثبت في " الصحيحين " ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .

وقال الحسن البصري : الحلي في الجنة على الرجال أحسن منه على النساء .

وقال ابن وهب : حدثني ابن لهيعة ، عن عقيل بن خالد ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، أن أبا أمامة حدثه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حدثهم ، وذكر حلي أهل الجنة قال : " مسورون بالذهب ، والفضة ، مكللون بالدر ، عليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة ، وعليهم تاج كتاج الملوك ، شباب جرد مكحلون " .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع ، فبدا سواره لطمس ضوء الشمس ، كما تطمس الشمس ضوء النجوم " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أنبأنا حماد بن سلمة ، عن [ ص: 329 ] ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : من يدخل الجنة ينعم ، لا يبأس ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ، في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .

وأخرجه مسلم من حديث زهير بن حرب ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن سلمة إلى قوله : " لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه " .

وقال أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " للمؤمن زوجتان - يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما " .

وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، والحسن بن علي الفسوي قالا : حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر ، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء ، لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء " . قال الضياء : هذا عندي على شرط الصحيح .

[ ص: 330 ] وقال أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا الخزرج بن عثمان السعدي ، حدثنا أبو أيوب ، مولى لعثمان بن عفان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " قيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ، ومثلها معها ، ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ، ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ، ومثلها معها " . قال : قلت : يا أبا هريرة ، وما النصيف ؟ قال : الخمار .

قلت : الخزرج بن عثمان البصري تكلموا فيه ، ولكن له شاهد في " الصحيح " ، كما تقدم في " صحيح البخاري " ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : " ولنصيفها - يعني خمارها - خير من الدنيا وما فيها " .

وقال حرملة ، عن ابن وهب ، أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل في الجنة ليتكئ سبعين سنة قبل أن يتحول ، ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه ، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ، فتسلم عليه ، فيرد السلام ويسألها : من أنت ؟ فتقول : أنا المزيد . وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى ، فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك ، وإن عليهم التيجان ، وإن أدنى لؤلؤة [ ص: 331 ] عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " .

ورواه أحمد عن حسن ، عن ابن لهيعة ، عن دراج به بطوله .

وقال ابن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب [ فاطر : 33 ] . فقال : " إن عليهم التيجان ، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " .

وقد روى الترمذي منه ذكر التيجان من حديث عمرو بن الحارث .

وقد روى الإمام أحمد ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن محمد بن أبي الوضاح ، عن العلاء بن عبد الله بن رافع ، عن حنان بن خارجة السلمي ، عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أخبرنا عن ثياب أهل الجنة; خلقا تخلق أم نسجا تنسج ؟ فضحك بعض القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مم تضحكون ؟ من جاهل يسأل عالما " ؟ ! ثم أكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " أين السائل ؟ " قال : ها هو ذا أنا يا رسول الله . قال : " لا ، بل تشقق عنها ثمر الجنة " . ثلاث مرات .

ورواه أحمد أيضا : عن أبي كامل ، عن زياد بن عبد الله بن علاثة القاص [ ص: 332 ] أبي سهل ، عن العلاء بن رافع ، عن الفرزدق بن حنان ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فذكر نحوه .

وفي حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، وما طوبى ؟ قال : " شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني محمد بن إدريس الحنظلي ، حدثنا أبو عتبة ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام الأسود ، سمعت أبا أمامة ، عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى ، فتفتح له أكمامها عن ألوان الثياب يأخذ من أي ذلك شاء إن شاء أبيض وإن شاء أحمر ، وإن شاء أخضر ، وإن شاء أصفر ، وأن شاء أسود ، مثل شقائق النعمان ، وأرق ، وأحسن " . غريب حسن .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي ، عن خاله الزميل ، أنه سمع أباه قال : قلت لابن عباس : ما حلل أهل الجنة ؟ قال : فيها شجرة فيها ثمر كأنه الرمان ، فإذا أراد ولي الله كسوة انحدرت إليه من غصنها ، فانفلقت عن سبعين حلة ، ألوانا بعد ألوان ، ثم تنطبق فترجع [ ص: 333 ] كما كانت . وتقدم عن الثوري ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر ، وكربها من ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم

صفة فرش أهل الجنة

قال الله تعالى : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق [ الرحمن : 54 ] . فإذا كانت البطائن من إستبرق ، فما الظن بالظهائر . قاله ابن مسعود . وقال تعالى : وفرش مرفوعة [ الواقعة : 34 ] .

وروى أحمد والترمذي من حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وفرش مرفوعة قال : " والذي نفسي بيده ، إن ارتفاعها كما بين السماء والأرض ، وإن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام " . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث رشدين . يعني عن عمرو بن الحارث ، عن دراج .

قلت : وقد رواه حرملة ، عن ابن وهب . ثم قال الترمذي : وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث : إن معناه الفرش في الدرجات ، [ ص: 334 ] وبين الدرجات كما بين السماء والأرض .

قلت : ومما يقوي هذا ما رواه عبد الله بن وهب ، عن عمرو ، عن دراج عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : وفرش مرفوعة . قال : " ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض " . وهذا أشبه أن يكون محفوظا .

وقال حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن كعب الأحبار ، في قوله تعالى : وفرش مرفوعة قال : مسيرة أربعين سنة . يعني أن الفرش في كل محل وموطن موجودة مهيأة لاحتمال الاحتياج إليها في ذلك الموضع ، كما قال تعالى : فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة [ الغاشية : 12 - 16 ] . أي النمارق وهي المخاد مصفوفة في كل مكان يليق بها ، لاحتمال الاحتياج إليها في ذلك المكان ، وكذا الزرابي ، وهي البسط الجياد المفتخرة مبثوثة هاهنا ، وهاهنا في أماكن المستنزهات من الجنة ، كما قال تعالى : متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان [ الرحمن : 76 ] والعباقري : هي عتاق البسط ، أي جيادها وخيارها وحسانها وهي بسط الجنة لا الدنيا ، وقد خوطب العرب بما هو معروف عندهم ، وفي الجنة ما هو أحسن وأجمل وأبهى وأسنى وأعظم مما في النفوس ، وأجل من كل صنف ونوع من أصناف الملاذ [ ص: 335 ] وأجناس الأشياء كلها ، وألذ في المناظر والنفوس .

والنمارق : جمع نمرقة بضم النون ، وحكي كسرها ، وهي الوسائد ، وقيل : المساند . وقد يعمها اللفظ ، والزرابي : البسط . والرفرف قيل : رياض الجنة وما يكون على شاطئ الأنهار من النبات والأزهار . وقيل : ضرب من الثياب . والعبقري : جياد البسط وقيل غير ذلك ، والله أعلم


صفة الحور العين


صفة الحور العين ، وبنات آدم وشرفهن وفضلهن عليهن ، وكم لكل واحد منهن

قال الله تعالى : فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ الرحمن : 56 - 57 ] . وقال تعالى : فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام [ الرحمن : 70 - 72 ] . وقال تعالى : ولهم فيها أزوج مطهرة [ البقرة : 25 ] . أي من الحيض والنفاس ، والبول والغائط ، والبزاق والمخاط ، فلا يصدر منهن أذى أبدا ، وكذلك طهرت أخلاقهن وألفاظهن وقلوبهن .

وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " فيها أزواج مطهرة " . قال : " من الحيض والنفاس ، والنجاسة ، والبزاق " .

[ ص: 336 ] وقال أبو الأحوص عند قوله : حور مقصورات في الخيام . قال : بلغنا في الرواية أن سحابة مطرت من العرش ، فخلقن من قطرات الرحمة ، ثم ضرب على كل واحدة منهن خيمة على شاطئ الأنهار ، وسعة الخيمة أربعون ميلا ، وليس لها باب حتى إذا حل ولي الله بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تنظر إليها ، فهن مقصورات عن إبصار المخلوقين .

وقال تعالى : وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون [ الواقعة : 22 - 24 ] . وقال في الآية الأخرى : كأنهن بيض مكنون [ الصافات : 49 ] . قيل : إنه بيض النعام المكنون في الرمل ، وهو عند العرب أحسن أنواع البيض . وقيل : المراد بالبيض : اللؤلؤ قبل أن يبرز من صدفه . وقال تعالى إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا : [ الواقعة : 35 - 38 ] . أي : إنا أنشأناهن بعد الكبر والعجز والضعف في الدنيا ، فصرن في الجنة شبابا أبكارا . عربا : أي متحببات إلى أزواجهن . وقيل : المراد به الغنجة . وقيل : الشكلة . والآية تعم هذا كله وأضعافه . أترابا أي في عمر واحد ، لا يزدن ولا ينقصن بل هن في سن واحدة .

وقال الطبراني : حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ، حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي ، حدثنا سليمان بن أبي كريمة ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله تعالى : [ ص: 337 ] وحور عين . قال : " حور : بيض . عين : ضخام العيون ، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : كأمثال اللؤلؤ المكنون . قال : " صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : فيهن خيرات حسان . قال ؟ " خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : كأنهن بيض مكنون قال : " رقتهن كرقة الجلد الذي يكون في داخل البيضة مما يلي القشرة ، وهو الغرقئ " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : عربا أترابا . قال : " هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمضا شمطا ، خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى ، عربا : متعشقات محببات إلى أزواجهن ، أترابا : على ميلاد واحد " . قلت : يا رسول الله ، نساء الدنيا أفضل ، أم الحور العين ؟ قال : " بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين ، كفضل الظهارة على البطانة " . قلت : يا رسول الله ، بماذا ؟ قال : " بصلاتهن وصيامهن ، وعبادتهن الله ، ألبس الله وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان ، خضر الثياب ، صفر الحلي ، مجامرهن الدر ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : نحن الخالدات ، فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا ، طوبى لمن كنا له ، وكان لنا " . قلت : يا رسول الله ، المرأة منا تتزوج الزوجين ، والثلاثة ، والأربعة ، ثم تموت ، فتدخل الجنة . ويدخلون معها ، من يكون زوجها ؟ قال : " يا أم سلمة ، إنها تخير [ ص: 338 ] فتختار أحسنهم خلقا فتقول : يا رب ، إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا ، فزوجنيه . يا أم سلمة ، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " .

وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة : حدثنا أحمد بن طارق ، حدثنا مسعدة بن اليسع ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتته عجوز من الأنصار ، فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : " إن الجنة لا يدخلها عجوز " فذهب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فصلى ، ثم رجع إلى عائشة ، فقالت : لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة ، فقال : " إن ذلك كذلك ، إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا " .

وتقدم في حديث الصور في صفة دخول المؤمنين الجنة ، قال : " فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ; سبعين مما ينشئ الله عز وجل ، وثنتين من ولد آدم ، لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب ، مكلل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، وإنه ليضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها ، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبده لها مرآة ، وكبدها له مرآة ، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، ولا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ، ولا [ ص: 339 ] يشتكي قبلها ، إلا أنه لا مني ولا منية ، فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ، ولا تمل ، إلا أن لك أزواجا غيرها . فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك وما في الجنة شيء أحب إلي منك " . ولهذا الحديث شواهد من وجوه كثيرة تقدمت ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .

وتقدم الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث أشعث الضرير ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض " .

وقال حرملة ، عن ابن وهب ، حدثنا عمرو ، أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم ، واثنتان وسبعون زوجة ، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ، كما بين الجابية وصنعاء " .

وأسنده أحمد عن حسن ، عن ابن لهيعة ، عن دراج به . ورواه الترمذي عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن رشدين ، عن عمرو بن الحارث ، فذكر بإسناده نحوه . [ ص: 340 ] وقال محمد بن جعفر الفريابي : حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن ، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن خالد بن معدان ، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد يدخل الجنة إلا ويزوج ثنتين وسبعين زوجة; ثنتين من الحور العين ، وسبعين من أهل ميراثه من أهل الدنيا ، ليس فيهن امرأة إلا ولها قبل شهي ، وله ذكر لا ينثني " . وهذا حديث غريب جدا ، والمحفوظ ما تقدم خلافه ، وهو اثنتان من بنات آدم ، وسبعون من الحور العين . فالله أعلم .

وخالد بن يزيد بن أبي مالك هذا تكلم فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما ، وضعفوه ، ومثله قد يغلط ولا يتقن .

وروى أحمد والترمذي وصححه ، وابن ماجه ، من حديث بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن المقداد بن معديكرب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للشهيد عند الله لست خصال ; يغفر له عند أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع [ ص: 341 ] الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه " .

فأما الحديث الذي رواه مسلم في " صحيحه " : حدثني عمرو الناقد ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي جميعا ، عن ابن علية ، واللفظ ليعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب ، عن محمد قال : إما تفاخروا ، وإما تذاكروا : الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال أبو هريرة : أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب " .

وفي " الصحيحين " من رواية همام ، عن أبي هريرة نحوه ، فالمراد من هذا أن هاتين من بنات آدم ، وله غيرهما من الحور العين ما شاء الله ، عز وجل ، كما تقدم تفصيل ذلك آنفا . والله أعلم .

وهذه الأحاديث لا تعارض ما ثبت في " الصحيحين " : " واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " إذ قد يكن أكثر أهل الجنة ، وأكثر أهل النار ، أو قد يكن أكثر أهل النار ثم يخرج من يخرج منهن من النار بالشفاعات ، فيصرن إلى الجنة ، حتى يكن أكثر أهلها . والله أعلم .

[ ص: 342 ] وتقدم ما رواه أحمد ، من طريق خلاس ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " للمؤمن زوجتان ، يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما " .

وفي حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد مرفوعا : " إن الرجل في الجنة ليتكئ سبعين سنة قبل أن يتحول ، ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه ، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ، فتسلم عليه ، فيرد السلام ويسألها : من أنت ؟ فتقول : أنا المزيد . وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى ، فينفذها بصره ، حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك " . ورواه أحمد في " المسند " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن حميد ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم ، أو موضع قده - يعني سوطه - من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ، ولطاب ما بينهما ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " .

[ ص: 343 ] ورواه البخاري من حديث إسماعيل بن جعفر ، وأبي إسحاق ، كلاهما عن حميد ، عن أنس ، بمثله . وقد تقدم بتمامه في أول صفة الجنة ، وعند البخاري : " ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا بشر بن الوليد ، حدثنا سعيد بن زربي ، عن عبد الملك الجوني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها ، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس لا ضوء لها ، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض .

وذكر ابن وهب ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه قال : والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين أطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر ، فكيف المسورة ؟ وإن أخلق ثوب تلبسه لخير من الدنيا وما فيها ، وإن زوجها عليه مثل ما عليها من ثياب وحلي . وقال أبو هريرة : إن في الجنة حوراء يقال لها : العيناء . إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف ، وهي تقول : أين الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر . أوردهما القرطبي .

[ ص: 344 ] وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن رشدين ، حدثنا علي بن الحسن بن هارون الأنصاري ، حدثني الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم ، حدثتني عائشة بنت يونس امرأة الليث بن أبي سليم ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الحور العين من الزعفران " . وهذا حديث غريب .

وقد روي مثل هذا عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين من قولهم . وفي مراسيل عكرمة : إن الحور العين ليدعون لأزواجهن وهم في الدنيا ، يقلن : اللهم أعنه على دينك ، وأقبل بقلبه على طاعتك ، وبلغه إلينا بعزتك ، يا أرحم الراحمين " .

وفي " مسند الإمام أحمد " من حديث كثير بن مرة عن معاذ مرفوعا : " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا " .

[ ص: 345 ] ورواه ابن أبي الدنيا ، عن داود بن عمرو الضبي ، عن إسماعيل بن عياش ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن كثير بن مرة ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث . وفي " معجم الطبراني " من طريق موسى الصغير عن عبد الرحمن بن سابط ، عن سعيد بن عامر بن حذيم أنه تصدق بعشرة آلاف درهم في يوم ، فعاتبته امرأته في ذلك ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أن حوراء أطلعت أصبعا من أصابعها لوجد ريحها كل ذي ريح " . ثم قال : فأنا أدعهن لكن ؟ ! لا والله ، لأنتن أحق أن أدعكن لهن .

ومن حديث مالك بن دينار ، عن شهر ، عن سعيد بن عامر ، مرفوعا : " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت على أهل الأرض لملأت الأرض روح مسك ، ولأذهبت ضوء الشمس والقمر "



 ما ورد من غناء الحور العين في الجنة

روى الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لمجتمعا للحور العين [ ص: 346 ] يرفعن أصواتا لم يسمع الخلائق بمثلها يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنا له " .

قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، وأنس ، وحديث علي غريب .

وروى ابن أبي ذئب ، عن عون بن الخطاب بن عبد الله بن رافع ، عن ابن لأنس بن مالك ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الحور يغنين في الجنة : نحن الجوار الحسان ، خلقنا لأزواج كرام " .

وقال الطبراني : حدثنا أبو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى بن الفرات المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط ، إن مما يغنين به : نحن الخيرات الحسان ، أزواج قوم كرام ، ينظرن بقرة أعيان ، وإن مما يغنين به : نحن [ ص: 347 ] الخالدات فلا نمتنه ، نحن الآمنات فلا نخفنه ، نحن المقيمات فلا نظعنه .

وقال الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن الوليد بن عبدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : " قف بي على الحور العين " . فأوقفه عليهن ، فقال : " من أنتن " ؟ قلن : نحن جواري قوم حلوا فلم يظعنوا ، وشبوا فلم يهرموا ، ونقوا فلم يدرنوا .

وقال القرطبي بعدما أورد الحديث المتقدم في غناء الحور العين : وقالت عائشة : إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا : نحن المصليات وما صليتن ، ونحن الصائمات وما صمتن ، ونحن المتوضئات وما توضأتن ، ونحن المتصدقات وما تصدقتن . قالت عائشة : فغلبنهن . والله أعلم . هكذا ذكره في " التذكرة " ، ولم يعزه إلى كتاب . والله أعلم .

وروى ابن أبي الدنيا عن الزهري : إن في الجنة لشجرا [ ص: 348 ] حمله اللؤلؤ والزبرجد ، تحته جوار ناهدات يتغنين بالقرآن ، يقلن : نحن الناعمات فلا نبؤس ، ونحن الخالدات فلا نموت ، ونحن المقيمات فلا نظعن . فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فأجبن الجواري . فلا يدرى أأصوات الجواري أحسن أم أصوات تصفيق الشجر ؟ ! وفي حديث خالد بن يزيد : في صدر إحداهن مكتوب : أنت حبي وأنا حبك ، انتهت نفسي عندك ، فلا ترى عيناي مثلك . وعن يحيى بن أبي كثير قال : إن الحور العين يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة فيقلن : طال ما انتظرناكم ، فنحن الراضيات فلا نسخط ، والمقيمات فلا نظعن ، والخالدات فلا نموت . بأحسن أصوات 

  جماع أهل الجنة لنسائهم من غير مني ولا أولاد إلا إن شاء أحدهم الولد

قال الله تعالى إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون [ يس : 55 ، 56 ] .

قال ابن مسعود وابن عباس ، وغير واحد : شغلهم افتضاض الأبكار . وقال تعالى : وزوجناهم بحور عين [ الدخان : 54 ] .

[ ص: 349 ] وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا عمران - هو ابن داور القطان - عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يعطى الرجل في الجنة قوة كذا وكذا من النساء " . قلت : يا رسول الله ، ويطيق ذلك ؟ قال : " يعطى قوة مائة " . ورواه الترمذي من حديث أبي داود ، وقال : صحيح غريب .

وروى الطبراني من حديث الحسين بن علي الجعفي ، عن زائدة ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله أنصل ، وفي رواية : هل نفضي في الجنة إلى نسائنا ؟ فقال : " والذي نفسي بيده ، إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء " . قال الحافظ الضياء : هذا عندي على شرط الصحيح .

وقال البزار : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عمارة بن راشد ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل يمس أهل الجنة أزواجهم ؟ فقال : " نعم ، بذكر لا يمل ، وشهوة لا تنقطع " .

[ ص: 350 ] ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن عمارة بن راشد سوى عبد الرحمن بن زياد ، وقد كان عبد الرحمن هذا حسن العقل ، ولكن وقع على شيوخ مجاهيل ، فحدث عنهم بأحاديث مناكير ، فضعف حديثه ، وهذا مما أنكر عليه .

وقال حرملة ، عن ابن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قيل له : أنطأ في الجنة ؟ قال : " نعم ، والذي نفسي بيده دحما دحما ، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا " .

وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي ، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي ، حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي ، حدثنا شريك ، عن عاصم بن سليمان الأحول ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا " . ثم قال : تفرد به معلى .

وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن خالد بن معدان ، عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أيجامع أهل الجنة ؟ قال : " دحما دحما " ، [ ص: 351 ] ولكن لا مني ولا منية " . ولما كان المني يقطع لذة الجماع ، والمنية تقطع لذة الحياة كانا منفيين عن أهل الجنة .

وقال الطبراني : حدثنا عبدان بن أحمد ، حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا صدقة ، عن هاشم بن زيد ، عن سليم أبي يحيى أنه سمع أبا أمامة يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسئل : يتناكح أهل الجنة ؟ قال : " نعم ، بذكر لا يمل وشهوة لا تنقطع ، دحما دحما " .

فأما إذا أراد أحدهم ، أن يولد له ، كما كان في الدنيا ، وأحب الأولاد ، فقد قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن عامر الأحول ، عن أبي الصديق ، عن أبي سعيد الخدري ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة ، كما يشتهي " . وكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعا ، عن محمد بن بشار ، عن معاذ بن هشام ، به . وقال الترمذي : حسن غريب .

وقال الحافظ الضياء المقدسي : وهو عندي على شرط مسلم . والله أعلم .

وقد رواه الحاكم ، عن الأصم ، عن محمد بن عيسى ، عن سلام بن [ ص: 352 ] سليمان ، أنبأنا سلام الطويل ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي ، به وضعفه البيهقي بمرة .

وقال سفيان الثوري عن أبان ، عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد قال : قيل : يا رسول الله ، أيولد لأهل الجنة ؟ فإن الولد من تمام السرور ؟ فقال : " نعم ، والذي نفسي بيده ، ما هو إلا كقدر ما يتمنى أحدكم فيكون حمله ، ورضاعه ، وشبابه " . وهذا السياق يدل على أن هذا أمر يقع لأهل الجنة ، خلافا لما حكاه البخاري والترمذي ، عن إسحاق بن راهويه ، أن ذلك محمول على أنه لو أراد ذلك كان ، ولكنه لا يريده .

ونقل عن جماعة من التابعين كطاوس ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وغيرهم أن الجنة لا توالد فيها . وهذا صحيح ، وذلك أن جماعهم لا يقتضي ولدا كما هو الواقع في الدنيا ، فإن الدنيا دار يراد فيها بقاء النسل لتعمر ، وأما الجنة فالمراد فيها بقاء اللذة ، ولهذا لا يكون في جماعهم مني يقطع لذة جماعهم ، ولكن إذا أحب أحدهم الولد يقع ذلك كما يريد ، قال الله تعالى : لهم فيها ما يشاءون [ النحل : 31 ] . وقال : وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين [ الزخرف : 71 ]



  أهل الجنة لا يموتون فيها لكمال حياتهم ، بل كل ما لهم في ازدياد ، من قوة الشباب ، ونضرة الوجوه ، وحسن الهيئة ، وطيب العيش

ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنهم لا ينامون لئلا يشتغلوا به عن الملاذ والمسرات والعيش الهنيء الطيب ، ولئلا يشتغل بالنوم عن ألذ ما في الجنة من ذكر الرب ، وحمده ، والثناء عليه ، سبحانه لا نحصي ثناء عليه ، نسأل الله الدرجات العلا من الجنة .

قال الله تعالى :
لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم [ الدخان : 56 ، 57 ] . وقال تعالى : لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين [ الحجر : 48 ] . وقال تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا [ الكهف : 107 ، 108 ] . أي لا يختارون غيرها ، بل هم أرغب شيء فيها ، فلا يختارون بها بدلا ، ولا عنها تحولا ، وليس يعتريهم فيها ملل ، ولا ضجر ، كما قد يسأم أهل الدنيا بعض أحوالهم اللذيذة ، ومساكنهم الأنيقة ، وأزواجهم الحسان ، بل أهل الجنة كما قيل :
فحلت سواد القلب لا أنا باغيا سواها ولا عن حبها أتحول
[ ص: 354 ] وقد تقدم حديث ذبح الموت بين الجنة والنار ، وأنه ينادي مناد : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، كل خالد فيما هو فيه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا حمزة ، حدثنا أبو إسحاق ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي هريرة وأبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فينادى مع ذلك : إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا " . قال : " فينادى بهذه الأربع " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق قال : قال الثوري : فحدثني أبو إسحاق ، أن الأغر حدثه عن أبي سعيد وأبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ينادي مناد : إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا " . قال : " فذلك قوله تعالى : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون [ الأعراف : 43 ] ، ورواه مسلم ، عن إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق ، بنحوه .

[ ص: 355 ] وقال البزار : حدثنا الفضل بن يعقوب ، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ، عن سفيان ، هو الثوري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قيل : يا رسول الله ، هل ينام أهل الجنة ؟ قال : " لا ، النوم أخو الموت " . ثم قال البزار : لا نعلم أحدا أسنده عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، إلا الثوري ، ولا عنه سوى الفريابي . كذا قال .

وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا أحمد بن القاسم بن صدقة المصري ، حدثنا المقدام بن داود ، حدثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة ، حدثنا سفيان الثوري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النوم أخو الموت ، وأهل الجنة لا ينامون " .

ورواه الطبراني ، من حديث مصعب بن إبراهيم ، عن عمران بن الربيع الكوفي ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينام أهل الجنة ؟ فقال : " النوم أخو الموت ، وأهل الجنة لا ينامون " .

ورواه البيهقي من حديث عبد الله بن جبلة بن أبي رواد ، عن سفيان [ ص: 356 ] الثوري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، فذكره .

ثم روى البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن عباس الدوري ، عن يونس بن محمد ، عن سعيد بن زربي ، عن نفيع بن الحارث ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : النوم مما يقر الله به أعيننا في الدنيا ، أننام في الجنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الموت شريك النوم ، وليس في الجنة موت " . قالوا : يا رسول الله ، فما راحتهم ؟ قال : " إنه ليس فيها لغوب ، كل أمرهم راحة " . فأنزل الله تعالى : لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب [ فاطر : 35 ] . ضعيف الإسناد 



 إحلال الرضوان عليهم ، وذلك أفضل ما لديهم قال الله تعالى : ولهم فيها من كل الثمرات [ محمد : 15 ] . وقال تعالى : وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم [ التوبة : 72 ] . [ ص: 357 ] وروى مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة . فيقولون : لبيك ربنا وسعديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ قالوا : يا ربنا ، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ قال : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا " . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث مالك ، به .

وقال البزار : حدثنا سلمة بن شبيب والفضل بن يعقوب ، قالا : حدثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله ، عز وجل : ألا أعطيكم ؟ قال : أحسبه قال : " أفضل من ذلك " - قالوا : يا ربنا ، هل شيء أفضل مما أعطيتنا ؟ قال : رضواني أكبر " . وهذا الحديث على شرط البخاري ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه


نظر الرب تعالى إلى أهل الجنة وتسليمه عليهم

قال الله تعالى : تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما [ الأحزاب : 44 ] . وقال تعالى : سلام قولا من رب رحيم [ يس : 58 ] . وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في كتاب السنة من " سننه " : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا أبو عاصم العباداني ، حدثنا الفضل الرقاشي ، عن ابن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رءوسهم ، فإذا الرب سبحانه ، قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة . قال : وذلك قول الله عز وجل : سلام قولا من رب رحيم [ يس : 58 ] . قال : فينظر إليهم وينظرون إليه ، ولا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه ، حتى يحتجب عنهم ، ويبقى نوره ، وبركته عليهم في ديارهم " .

وقد رواه البيهقي مطولا من هذا الوجه ؟ فقال : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، حدثنا أحمد بن عبيد ، حدثنا الكديمي ، حدثنا يعقوب بن إسماعيل أبو يوسف السلال ، حدثنا أبو عاصم العباداني ، عن الفضل بن عيسى الرقاشي ، [ ص: 359 ] عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما أهل الجنة في مجلس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة ، فرفعوا رءوسهم ، فإذا الرب تعالى قد أشرف ، فقال : يا أهل الجنة ، سلوني . قالوا : نسألك الرضا عنا . قال : رضاي أحلكم داري ، وأنالكم كرامتي ، هذا أوانها ، فسلوني . قالوا : نسألك الزيادة . قال : فيؤتون بنجائب من ياقوت أحمر ، أزمتها زمرد أخضر ، وياقوت أحمر ، فجاءوا عليها تضع حوافرها عند منتهى طرفها ، فيأمر الله ، عز وجل ، بأشجار عليها الثمار ، فتتحفهم من ثمارها ، فتجيء حوار من الحور العين ، وهن يقلن : نحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الخالدات فلا نموت ، أزواج قوم مؤمنين كرام . ويأمر الله بكثبان من مسك أذفر أبيض ، فتثيره عليهم ريح يقال لها : المثيرة . حتى تنتهي بهم إلى جنة عدن ، وهي قصبة الجنة ، فتقول الملائكة : يا ربنا ، قد جاء القوم . فيقول : مرحبا بالصادقين ، مرحبا بالطائعين ، مرحبا بالمتقين . قال : فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إلى الله ، عز وجل ، فيتمتعون بنور الرحمن حتى لا يبصر بعضهم بعضا ، ثم يقول : أرجعوهم إلى قصورهم بالتحف . فيرجعون وقد أبصر بعضهم بعضا . [ ص: 360 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وذلك قول الله ، عز وجل : نزلا من غفور رحيم [ فصلت : 32 ] . ثم قال البيهقي : وقد مضى في هذا الكتاب ، في كتاب الرؤية ، ما يؤكد ما روي في هذا الحديث . والله أعلم .

وذكر أبو المعالي الجويني في الرد على السجزي ، أن الرب تعالى إذا كشف الحجاب ، وتجلى لأهل الجنة تدفقت الأنهار ، واصطفقت الأشجار ، وتجاوبت الأطيار والسرر والغرفات وما فيها بالصرير والتعظيم والتسبيحات ، والأعين المتدفقات بالخرير ، واسترسلت الريح المثيرة ، وبثت في الدور والقصور المسك الأذفر ، والكافور ، وغردت الطيور ، وأشرفت الحور .

والفضل بن عيسى ضعيف ، ولكن روى الضياء من حديث عبد الله بن عبيد الله ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر مرفوعا ، مثله


  رؤية أهل الجنة ربهم ، عز وجل ، في مثل أيام الجمع في مجتمع لهم معد لذلك هنالك

قال الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [ القيامة : 22 ، 23 ] . وقال تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون إلى قوله : إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون [ المطففين : 15 - 23 ] . وقال تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [ يونس : 26 ] . فذكر عن الفجار أنهم محجوبون ، وأن الأبرار إليه ينظرون .

[ ص: 361 ] وقد تقدم في حديث أبي موسى الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " . أخرجاه في " الصحيحين " . وفى حديث ابن عمر : " وأعلاهم من ينظر إلى وجه الله ، عز وجل ، في اليوم مرتين " .

وله شاهد في " الصحيحين " عن جرير بن عبد الله مرفوعا عند ذكر رؤية المؤمنين ربهم ، عز وجل ، يوم القيامة ، كما يرون الشمس والقمر ، قال : " فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب [ ق : 39 ] .

وفي " صحيح البخاري " عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنكم سترون ربكم عيانا " . فأرشد هذا السياق على أن رؤيته ، عز وجل ، تقع لأهل الجنة في مثل أوقات العبادات ، فكأن المبرزين من المقربين الأخيار يرون الله ، عز وجل ، في مثل طرفي النهار ، بكرة وعشيا ، وهذا مقام عال ، فيرونه سبحانه وهم على أرائكهم ، وسررهم كما يرون القمر ليلة البدر ، فيرونه أيضا غير رؤيتهم إياه في منازلهم في الجنة حيث يجتمع أهل الجنة في واد أفيح - أي متسع - من مسك أبيض ، فيجلسون فيه على قدر منازلهم; فمنهم من يجلس على منابر من نور ، ومنهم من يجلس على منابر من ذهب ، وغير ذلك من أنواع الجواهر وغيرها ، ثم تفاض [ ص: 362 ] عليهم النعم والخلع ، وتوضع على رءوسهم التيجان ، وبين أيديهم الموائد مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ثم يطيبون بأنواع الطيب ، ويخصون بأنواع الكرامات والتحف مما لم يخطر على بال أحد منهم قبل ذلك ، ثم يتجلى لهم الحق سبحانه وتعالى ، ويخاطبهم واحدا واحدا ، كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث ، كما سيأتي إيرادها قريبا على رغم أنوف المعتزلة وغيرهم ممن ينكر رؤيته سبحانه في الدار الآخرة .

وقد حكى بعض العلماء خلافا في النساء : هل يرين الله ، عز وجل ، في الجنة ، كما يراه الرجال ؟ فقيل : لا يرونه ، لأنهن مقصورات في الخيام ، لا يبرزن منها . وقيل : لنقص عقولهن ودينهن ورغبتهن في الدنيا . وقيل : بل يرونه سبحانه; لأنه لا مانع من رؤيته في الخيام والقصور وغيرها . والنساء إذا دخلن الجنة ذهب عنهن ما كان يعتريهن من النقص في الدنيا ، وصرن أزواجا مطهرة من كل أذى وطبن أخلاقا وخلقا ، فلا مانع لهن من رؤيتهن لربهن ، عز وجل . والله سبحانه أعلم .

وقد قال الله تعالى : إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون [ المطففين : 22 - 23 ] . وقال تعالى : هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون [ يس : 56 ] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنكم سترون ربكم ، عز وجل ، كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل [ ص: 363 ] غروبها فافعلوا " . وهذا عام في الرجال والنساء . والله أعلم .

وقال بعض العلماء قولا ثالثا ، وهو أنهن يرين الله في مثل أوقات الأعياد; فإنه تعالى يتجلى لأهل الجنة في مثل أيام الأعياد تجليا عاما ، فيرينه في مثل هذه الحال في جملة أهل الجنة . وهذا القول يحتاج إلى دليل خاص . والله أعلم .

وقد قال الله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [ يونس : 26 ] . وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين تفسير هذه الزيادة بالنظر إلى وجه الله ، عز وجل; منهم أبو بكر الصديق ، وأبي بن كعب ، وكعب بن عجرة ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن عباس ، رضي الله عنهم . ومن التابعين سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الرحمن بن سابط ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وغيرهم من السلف والخلف .

وقد روي حديث رؤية المؤمنين لربهم ، عز وجل ، في الدار الآخرة عن جماعة من الصحابة ; منهم أبو بكر الصديق - وقد تقدم حديثه مطولا - وعلي بن أبي طالب ، وقد روى حديثه يعقوب بن سفيان ، فقال : حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا سويد بن عبد العزيز ، حدثنا عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرى أهل الجنة الرب تعالى في كل جمعة " . وذكر تمام [ ص: 364 ] الحديث ، وفيه : " فإذا كشف الحجاب كأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك ، وهو قوله تعالى : ولدينا مزيد . ومنهم أبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وبريدة بن الحصيب ، وجابر بن عبد الله ، وجرير بن عبد الله ، وحذيفة ، وزيد بن ثابت ، وسلمان الفارسي ، وأبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري ، وصهيب بن سنان الرومي ، وعبادة بن الصامت ، وأبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، وعبد الله بن عباس ، وابن عمر ، وعمارة بن رويبة ، وعبد الله بن عمرو ، وأبو موسى عبد الله بن قيس ، وعبد الله بن مسعود ، وعدي بن حاتم ، وعمار بن ياسر ، وأبو رزين العقيلي ، وأبو هريرة ، ورجل من الصحابة ، وعائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنهم أجمعين .

وقد تقدم كثير منها ، وسيأتي بقيتها مما يليق بهذا المقام إن شاء الله تعالى . وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، أنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . فقال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه . فيقولون وما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا عن النار ؟ " قال : " فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إليه " قال : " فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر [ ص: 365 ] لأعينهم " . وهكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة .

وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا أبو بكر الهذلي ، أخبرني أبو تميمة الهجيمي ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة ويقول : إن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة ، فيقول : يا أهل الجنة ، هل أنجزكم الله ما وعدكم ؟ فينظرون ، فيرون الحلي والحلل والثمار والأنهار والأزواج المطهرة ، فيقولون : نعم ، قد أنجزنا الله ما وعدنا . قالوا ذلك ثلاث مرات ، فيقول : قد بقي شيء; إن الله يقول : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . ألا إن الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله ، عز وجل . هكذا ذكره موقوفا .

وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم حديث أبي تميمة الهجيمي ، عن أبي موسى الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وآخرهم ، إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن " .

ورواه ابن جرير من حديث زهير عمن سمع أبا العالية ، حدثنا أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال : " الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله " .

[ ص: 366 ] ورواه ابن جرير أيضا عن ابن حميد ، عن إبراهيم بن المختار ، عن ابن جريج ، عن عطاء عن كعب بن عجرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الزيادة النظر إلى وجه الرحمن ، عز وجل " .

وقال الحسن بن عرفة : حدثنا سلم بن سالم ، عن نوح بن أبي مريم ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . قال : " للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى ، وهي الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله ، عز وجل " . سلم وشيخه نوح بن أبي مريم متكلم فيهما . والله أعلم .

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي في كتاب الجمعة من " مسنده " : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثني موسى بن عبيدة ، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، أنه سمع أنس بن مالك يقول : أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما هذه ؟ . فقال : هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك ، فالناس لكم فيها تبع ، اليهود والنصارى ، ولكم فيها خير ، وفيها ساعة لا يوافقها [ ص: 367 ] مؤمن يدعو الله بخير ، إلا استجيب له ، وهو عندنا يوم المزيد . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، ما يوم المزيد ؟ " قال : إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب مسك ، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور ، عليها مقاعد للنبيين ، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد ، عليها الشهداء والصديقون ، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب ، فيقول الله ، عز وجل : أنا ربكم قد صدقتكم وعدي ، فسلوني أعطكم . فيقولون : ربنا نسألك رضوانك . فيقول : قد رضيت عنكم ، ولكم علي ما تمنيتم ، ولدي مزيد . فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير ، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش ، وفيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة .

وقد رواه البزار من حديث جهضم بن عبد الله ، عن أبي طيبة ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء ، فقلت : ما هذه يا جبريل ؟ قال : هذه الجمعة يعرضها عليك ربك ; لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك ، تكون أنت الأول ، وتكون اليهود والنصارى من بعدك قال : " ما لنا فيها ؟ قال : لكم فيها خير ، لكم فيها ساعة ، من دعا ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه ، أو ليس له بقسم إلا ادخر له ما هو أعظم منه ، أو تعوذ فيها من شر هو عليه مكتوب إلا أعاذه من أعظم منه " . قال : " قلت : ما هذه النكتة السوداء ؟ قال : هي الساعة تقوم يوم الجمعة ، وهو سيد الأيام عندنا ، ونحن ندعوه في الآخرة يوم [ ص: 368 ] المزيد . قلت : وما يوم المزيد ؟ قال : إن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى من عليين على كرسيه ، ثم حف الكرسي بمنابر من نور ، وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها ، ثم حف المنابر بكراسي من ذهب ، ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها ، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب ، فيتجلى لهم ربهم ، عز وجل ، حتى ينظروا إلى وجهه ، وهو يقول : أنا الذي صدقتكم وعدي ، وأتممت عليكم نعمتي ، هذا محل كرامتي ، فسلوني . فيسألونه الرضا فيقول : رضائي أحلكم داري وأنالكم كرامتي ، فسلوني . فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرف الناس من الجمعة ، ثم يصعد تعالى على كرسيه ، ويصعد معه الشهداء والصديقون - أحسبه قال - ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم درة بيضاء لا قصم فيها ولا فصم ، أو ياقوتة حمراء ، أو زبرجدة خضراء منها غرفها وأبوابها مطردة فيها أنهارها متدلية فيها ثمارها ، فيها أزواجها وخدمها ، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ; ليزدادوا فيه كرامة ، ويزدادوا نظرا إلى وجهه تعالى ، ولذلك سمي يوم المزيد " .

ثم قال البزار : لا نعلم أحدا رواه عن أنس غير عثمان بن عمير أبي اليقظان ، وعثمان بن صالح .

[ ص: 369 ] هكذا قال ، وقد رويناه من طريق زياد بن خيثمة ، عن عثمان بن أبي مسلم ، عن أنس ، فذكر الحديث بطوله مثل هذا السياق ، أو نحوه .

وتقدم في رواية الشافعي ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير عنه ، فقد اختلف الرواة فيه ، وكان بعضهم يدلسه ، لئلا يعلم أمره ، وذلك لما يتوهم من ضعفه . والله أعلم .

وقد رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، عن شيبان بن فروخ ، عن الصعق بن حزن ، عن علي بن الحكم البناني ، عن أنس ، فذكر الحديث ، فهذه طرق جيدة عن أنس ، وهي شاهدة لرواية عثمان بن عمير .

وقد اعتنى بهذا الحديث الدارقطني ، فأورده من طرق ، قال الحافظ الضياء : وقد روي من طريق جيد ، وهي شاهدة لرواية عثمان بن عمير عن أنس ، رواه الطبراني ، عن أحمد بن زهير ، عن محمد بن عثمان بن كرامة ، عن خالد بن مخلد القطواني ، عن عبد السلام بن حفص ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس ، فذكره .

وقد رواه غير أنس من الصحابة ، قال البزار حدثنا محمد بن معمر ، [ ص: 370 ] وأحمد بن عمر والعصفري ، قالا : حدثنا يحيى بن كثير العنبري ، حدثنا إبراهيم بن المبارك ، عن القاسم بن مطيب ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل " فذكر يوم المزيد . قال : " فيوحي الله ، عز وجل ، إلى حملة العرش أن يرفعوا الحجب فيما بينهم وبينه ، فيكون أول ما يسمعون منه : أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني ، وصدقوا رسلي واتبعوا أمري ، سلوني فهذا يوم المزيد . فيجتمعون على كلمة واحدة ؟ أن رضينا عنك ، فارض عنا . فيرجع في قوله : يا أهل الجنة ، إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي ، هذا يوم المزيد ، فسلوني . فيجتمعون على كلمة واحدة : أرنا وجهك يا رب ننظر إليه . قال : فيكشف الحجب ، فيتجلى لهم ، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله قضى أن لا يموتوا لاحترقوا ، ثم يقال لهم : ارجعوا إلى منازلكم . فيرجعون إلى منازلهم ولهم في كل سبعة أيام يوم يتجلى لهم فيه ، وذلك يوم الجمعة "





سوق الجنة

قال الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن سعيد بن المسيب ، أنه لقي أبا هريرة ، فقال أبو هريرة : أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة ، فقال سعيد : أوفيها سوق ؟ قال : نعم ، أخبرني رسول [ ص: 371 ] الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوها بفضل أعمالهم ، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا ، فيزورون الله في روضة من رياض الجنة ، فتوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من لؤلؤ ، ومنابر من زبرجد ، ومنابر من ياقوت ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ويجلس أدناهم - وما فيهم دني - على كثبان المسك والكافور ، ما يرون أن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلسا " .

قال أبو هريرة : فقلت : يا رسول الله ، هل نرى ربنا ؟ قال : " نعم ، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ " قلنا : لا . قال : " فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم تبارك وتعالى ، فإنه لا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه محاضرة حتى يقول : يا فلان ابن فلان ، أتذكر يوم فعلت كذا وكذا ؟ فيذكره بعض غدراته في الدنيا ، فيقول : بلى ، أفلم تغفر لي ؟ فيقول : بلى ، فبمغفرتي بلغت منزلتك هذه . قال : فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم ، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا شيئا مثل ريحه قط " . قال : " ثم يقول ربنا ، عز وجل : قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ، فخذوا ما اشتهيتم . قال : فيجدون سوقا قد حفت بها الملائكة ، فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم تسمع الآذان ، ولم يخطر على القلوب " . قال : [ ص: 372 ] فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع ولا يشترى ، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا . قال : فيقبل ذو البزة المرتفعة ، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دني - فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة ، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه ، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها . قال : ثم ننصرف إلى منازلنا ، فتلقانا أزواجنا ، فيقلن : مرحبا وأهلا بحبنا ، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه . فنقول : إنا قد جالسنا ربنا الجبار ، عز وجل ، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا
" .

وهكذا رواه ابن ماجه ، عن هشام بن عمار . ورواه الترمذي ، عن محمد بن إسماعيل ، عن هشام بن عمار ، ثم قال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن الحكم بن موسى ، عن هقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، قال : نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة ، فذكره .

وقال مسلم : حدثنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبار البصري ، حدثنا [ ص: 373 ] حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة ، فتهب عليهم ريح الشمال ، فتحثو في وجوههم وثيابهم المسك ، فيزدادون حسنا وجمالا ، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا ، فيقول لهم أهلوهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا . فيقولون : وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا " .

وهكذا رواه أحمد ، عن عفان ، عن حماد ، وعنده : " إن في الجنة لسوقا فيها كثبان المسك ، فإذا خرجوا إليها هبت الريح " . وذكر تمامه .

وروى أبو بكر بن أبي سبرة ، عن عمر بن عطاء بن وراز ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أرض الجنة بيضاء ، عرصتها صخور الكافور ، وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل ، فيها أنهار مطردة ، فيجتمع فيها أهل الجنة فيتعارفون ، فيبعث الله تعالى ريح الرحمة ، فتهيج عليهم ريح المسك ، فيرجع الرجل إلى زوجته ، وقد ازداد حسنا وطيبا ، فتقول : لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة ، وأنا الآن بك أشد إعجابا " .

[ ص: 374 ] فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو عيسى الترمذي قائلا : حدثنا أحمد بن منيع وهناد ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء ، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها " . فإنه حديث غريب ، كما ذكره الترمذي ، ويحمل معناه على أن الرجال إنما يشتهون الدخول في مثل صور الرجال ، وكذلك النساء ، ويكون مفسرا بالحديث المتقدم ، وهو الشكل ، والهيئة ، والبشرة ، واللباس ، كما ذكرنا في حديث أبي هريرة في سوق الجنة : " فيقبل ذو البزة المرتفعة ، فيلقى من دونه ، فيروعه ما عليه من اللباس والهيئة ، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه ، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها " .

هذا إن كان قد حفظ لفظ الحديث ، والظاهر أنه لم يحفظ ، فإنه قد تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث ، وهو أبو شيبة الواسطي ، ويقال : الكوفي . روى عن أبيه وخاله النعمان بن سعد ، والشعبي وغيرهم ، وعنه جماعة منهم حفص بن غياث ، وعبد الله بن إدريس ، وهشيم .

قال الإمام أحمد : ليس بشيء ، منكر الحديث . وكذبه في روايته عن النعمان بن سعد ، عن المغيرة بن شعبة في أحاديث رفعها .

[ ص: 375 ] وكذلك ضعفه يحيى بن معين ، ومحمد بن سعد ، ويعقوب بن سفيان ، والبخاري ، وأبو داود ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة ، والنسائي ، وابن خزيمة ، وابن عدي وغيرهم ، وقد استقصيت كلامهم فيه مفصلا في " التكميل " . ولله الحمد والمنة .

ومثل هذا الرجل لا يقبل منه ما تفرد به ، ولا سيما هذا الحديث ، فإنه منكر جدا ، وأحسن أحواله أن يكون سمع شيئا ، ولم يفهمه جيدا ، فعبر عنه بعبارة ناقصة ، ويكون أصل الحديث كما ذكرنا في رواية ابن أبي العشرين الدمشقي ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، في سوق الجنة . والله أعلم .

وقد روي من وجه آخر غريب ، فقال محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ ، المعروف بمطين : حدثنا أحمد بن محمد بن طريف البجلي ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثني جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ، عن علي بن الحسين ، عن جابر بن عبد الله قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مجتمعون ، فقال : " يا معشر المسلمين ، إن في الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى إلا الصور ، فمن أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها " .

جابر بن يزيد الجعفي ضعيف الحديث . والله أعلم



ريح الجنة وطيبه وانتشاره حتى إنه يشم من سنين عديدة ومسافة بعيدة

قال الله تعالى : والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم [ محمد : 4 - 6 ] . قال بعضهم : أي طيبها لهم ، من العرف; وهو الريح الطيبة .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين عاما " .

ورواه أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، وقال : " سبعين عاما " .

وقال أحمد : حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : أراد فلان أن يدعى جنادة بن أبي أمية ، فقال عبد الله بن عمرو : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاما ، أو مسيرة سبعين عاما " . قال : " ومن كذب علي متعمدا ، فليتبوأ مقعده من النار " .

[ ص: 377 ] وقال البخاري : حدثنا قيس بن حفص ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " .

وهكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، عن الحسن بن عمرو ، به .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن محمد - يعني أبا إبراهيم المعقب - حدثنا مروان ، وهو ابن معاوية الفزاري ، عن الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن مجاهد ، عن جنادة بن أبي أمية ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " .

رواه النسائي عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، عن مروان بن معاوية الفزاري ، به .

[ ص: 378 ] ورواه الطبراني ، عن موسى بن خازم الأصبهاني ، عن محمد بن بكير الحضرمي ، عن مروان الفزاري ، عن الحسن ، عن مجاهد ، عن جنادة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل قتيلا من أهل الذمة ، لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام " . هذا لفظه .

وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا معلل بن نفيل ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن عوف الأعرابي ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام " .

وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، وقال : " سبعين خريفا " . وقال : حسن صحيح . وقال : وفي الباب عن أبي بكرة .

وقال الحافظ الضياء : هو عندي على شرط الصحيح ، يعني حديث أبي هريرة . وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن أو غيره ، عن أبي بكرة ، [ ص: 379 ] قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام " .

وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : " خمسمائة عام " . وكذلك رواه حماد بن سلمة ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن .

وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب " صفة الجنة " ، من طريق الربيع بن بدر عليلة - وهو ضعيف - عن هارون بن رئاب ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة مرفوعا : " رائحة الجنة توجد من مسيرة خمسمائة سنة " .

وقال مالك ، عن مسلم بن أبي مريم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أنه قال : نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام .

قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر : وقد رواه عبد الله بن نافع الصائغ ، عن مالك ، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أحمد بن محمد بن طريف ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثني جابر الجعفي ، عن [ ص: 380 ] أبي جعفر محمد بن علي ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام ، والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم " .

وثبت في الصحيحين " عن أنس ، أن سعد بن معاذ ، مر بأنس بن النضر يوم أحد ، فقال : أين يا سعد ، واها لريح الجنة ، والله إني لأجد ريحها دون أحد . فقاتل يومئذ حتى قتل ، ولم يعرف من كثرة الجراح ، وما عرفه إلا أخته الربيع بنت النضر ببنانه ، ووجد به بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية ، رضي الله عنه .

فقد وجد أنس ريح الجنة في الأرض وهي فوق السماوات ، اللهم إلا أن تكون قد اقتربت يومئذ من المؤمنين ، والله أعلم


  نور الجنة وبهائها وطيب فنائها وحسن منظرها في وقت صباحها ومسائها

قال الله تعالى : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ الإنسان : 20 ] . وقال تعالى : خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما [ الفرقان : 76 ] . وقال تعالى : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى [ طه : 118 ، 119 ] . وقال تعالى : لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا [ الإنسان : 13 ] .

[ ص: 381 ] ، قال ابن أبي الدنيا : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا عبد ربه الحنفي ، عن خاله الزميل بن سماك ، سمع أباه يحدث ، أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعدما كف بصره ، فقال : يا بن عباس ، ما أرض الجنة ؟ قال : هي مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة . قلت : ما نورها ؟ قال : أما رأيت الساعة التي تكون قبل طلوع الشمس ؟ فذلك نورها ، إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير . وذكر باقي الحديث ، كما تقدم .

وتقدم في سؤال ابن صياد عن تربة الجنة أنها درمكة بيضاء ، مسك أذفر .

وقال أحمد بن منصور الرمادي : حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا هشام بن زياد أبو المقدام ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله الجنة بيضاء ، وأحب الزي إلى الله البياض ، فليلبسه أحياؤكم ، وكفنوا فيه موتاكم " . قال : ثم أمر برعاء الشاء فجمعوا ، فقال : " من كان ذا غنم سود فليخلط بها بيضا " . فجاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني اتخذت غنما سودا ، فلا أراها تنمو . فقال : " عفري " . أي بيضي ، معناه : اخلطي فيها بيضا .

[ ص: 382 ] وقال أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي ، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ، حدثنا محمد بن مهاجر ، عن الضحاك المعافري ، عن سليمان بن موسى ، حدثنا كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة في مقام آبد ، في دار سليمة ، وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة ، في محلة عالية بهية " . قالوا : يا رسول الله ، نعم ، نحن المشمرون لها . فقال : " قولوا : إن شاء الله " . فقال القوم : إن شاء الله . ثم قال البزار : لا نعلم له طريقا إلا هذا .

وقد رواه ابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم ، عن محمد بن مهاجر ، بنحوه . ورواه أبو بكر بن أبي داود ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبيه ، عن محمد بن مهاجر به ، ورواه ابن أبي الدنيا من طريق ابن مهاجر .

وتقدم في الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي سبرة ، عن عمر بن عطاء بن وراز ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة مرفوعا : " أرض الجنة بيضاء ، عرصتها صخور الكافور ، وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل ، فيها [ ص: 383 ] أنهار مطردة ، فيجتمع فيها أهل الجنة فيتعارفون ، فيبعث الله ريح الرحمة ، فتهيج عليهم ريح المسك ، فيرجع الرجل إلى زوجته وقد ازداد حسنا وطيبا " . وذكر الحديث .

وروى الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم - " لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرف له ما بين خوافق السماوات والأرض "



  الأمر بطلب الجنة وترغيب الله عباده فيها وأمرهم بالمبادرة إليها

قال الله تعالى : والله يدعو إلى دار السلام يونس : 25 ] . وقال : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . وقال : سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض الآية [ الحديد : 21 ] . وقال : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة [ التوبة : 111 ] . وقال : يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون [ المطففين : 25 ، 26 ] .

وقد روى البخاري وغيره من حديث سعيد بن ميناء ، عن جابر ، أن ملائكة [ ص: 384 ] جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم ، فقال بعضهم : هو نائم . وقال بعضهم : إن العين نائمة ، والقلب يقظان . فقالوا : اضربوا له مثلا . فقالوا : مثله كمثل رجل بنى دارا ، واتخذ فيها مأدبة ، وبعث داعيا ، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ، ولم يأكل من المأدبة . قالوا : فأولوها له يعقلها . فقال بعضهم : إنه نائم . وقال بعضهم : إن العين نائمة ، والقلب يقظان . فقالوا : الدار الجنة ، والداعي محمد ، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ، ومن عصى محمدا فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين الناس .

وروى الترمذي هذا الحديث ، ولفظه : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : " إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي ، وميكائيل عند رجلي ، يقول أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا . فقال : اسمع سمعت أذنك ، واعقل عقل قلبك ، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ، ثم بنى فيها بيتا ، صنع مأدبة ، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه ، فمنهم من أجاب الرسول ، ومنهم من تركه ، فالله هو الملك ، والدار الإسلام ، والبيت الجنة ، وأنت يا محمد رسول ، فمن أجابك دخل الإسلام ، ومن دخل الإسلام دخل الجنة ، ومن دخل الجنة أكل مما فيها " . وروى الترمذي عن ابن مسعود نحوه ، وصححه أيضا .

وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن [ ص: 385 ] سيدا بنى دارا ، واتخذ مأدبة ، وبعث داعيا ، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ورضي عنه السيد ، ألا وإن السيد الله ، والدار الإسلام ، والمأدبة الجنة ، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير عن يونس ، هو ابن خباب ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار ؟ يا رب ، إن عبدك فلانا قد استجار مني فأجره . ولا سأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة : يا رب ، إن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة " . إسناده على شرط مسلم .

وروى الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن هناد ، عن أبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن بريد بن أبي مريم ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله الجنة ثلاث مرات ، قالت الجنة : اللهم أدخله الجنة . ومن استجار من النار ثلاث مرات ، قالت النار : اللهم أجره من النار " .

وقال الحسن بن سفيان : حدثنا المقدمي ثنا عمر بن علي ، عن يحيى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا مسألة الله الجنة ، واستعيذوا به من النار ، فإنهما شافعتان مشفعتان ؟ فإن العبد إذا [ ص: 386 ] أكثر مسألة الجنة قالت الجنة : يا رب ، عبدك هذا الذي سألنيك فأسكنه إياي . وتقول النار : يا رب ، عبدك هذا الذي استعاذ بك مني فأعذه مني " .

وقال البزار : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبيدة العصفري ، حدثنا يعقوب بن إسحاق ، حدثنا سليمان بن معاذ ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة " . ورواه أبو داود من حديث محمد بن المنكدر .

وفي " الترمذي " عن أبي هريرة مرفوعا : " من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " .

وقال أبو بكر الشافعي ، عن كليب بن حزن : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اطلبوا الجنة جهدكم ، واهربوا من النار جهدكم; فإن الجنة لا ينام طالبها ، وإن النار لا ينام هاربها ، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره ، وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات ، فلا تلهينكم عن الآخرة " .

وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا أيوب بن شبيب الصنعاني ، قال : كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حديث عبد الله بن [ ص: 387 ] بحير : سمعت عبد الرحمن بن يزيد ، سمعت عبد الله بن عمر ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تنسوا العظيمتين " . قلنا : وما العظيمتان يا رسول الله ؟ قال : " الجنة والنار " .

وقال كلثوم بن عياض القشيري ، على منبر دمشق أيام هشام بن عبد الملك : من آثر الله آثره الله ، فرحم الله عبدا استعان بنعمته على طاعته ، ولم يستعن بنعمته على معصيته; فإنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعة إلا وهو يزداد فيها صنفا من النعمة لم يكن يعرفه ، ولا يأتي على صاحب العذاب ساعة إلا وهو يستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه . كان هذا الرجل متوليا على دمشق أيام هشام بن عبد الملك ، ثم بعثه إلى غزو بلاد المغرب ، فقتل هناك ، رحمه الله . أورده ابن عساكر .



الجنة حفت بالمكاره ، وهى الأعمال الشاقة على الأنفس من فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والصبر على المكروهات ، كقوله : " إسباغ الوضوء على المكاره ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة " . وأن النار حفت بالشهوات

قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت [ ص: 388 ] البناني ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " . وهكذا رواه مسلم والترمذي ، من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت - زاد مسلم : وحميد - كلاهما عن أنس ، به ، وقال الترمذي : صحيح غريب .

وقال أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن يحيى بن النضر ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " . تفرد به أحمد ، وإسناده جيد حسن لما له من الشواهد .

وقال أحمد : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل ، قال : انظر إليها ، وإلى ما أعددت فيها لأهلها . فجاء فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها ، فرجع إليه ، فقال : وعزتك ، لا يسمع بها أحد إلا دخلها . فأمر بها ، فحجبت بالمكاره ، قال : ارجع إليها ، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها " . قال : " فرجع إليها ، فإذا هي قد حجبت بالمكاره ، فرجع إليه ، فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد قال : اذهب إلى النار ، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها . فجاء فنظر إليها وإلى ما أعد [ ص: 389 ] لأهلها فيها ، فإذا هي يركب بعضها بعضا ، فرجع فقال : وعزتك ، لا يسمع بها أحد فيدخلها . فأمر بها فحفت بالشهوات ، فرجع فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها " . تفرد به أحمد ، وإسناده صحيح .

وقال أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا المسعودي ، عن داود بن يزيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أكثر ما يلج به الإنسان النار الأجوفان ; الفرج والفم ، وأكثر ما يلج به الإنسان الجنة تقوى الله ، وحسن الخلق "  

( أنواع المسرات والنعيم في جنات الخلد )

النار حفت بالشهوات ، وداخلها كله مضرات وعقوبات وحسرات ، والجنة حفت وحجبت بالمكاره ، وداخلها أنواع المسرات مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر من أصناف اللذات ، كما أوردناه في الآيات المحكمات ، والأحاديث الثابتات .

فمن نعيمهم المقيم ، ولذتهم المستمرة الطرب الذي لم تسمع الآذان بمثله ، كما قال تعالى : فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون [ الروم : 15 ] . قال الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير : هو السماع في الجنة .

[ ص: 390 ] وقد ذكرنا ما رواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لمجتمعا للحور العين ، يرفعن بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها " . وذكر الحديث . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، وأنس .

قلت : وكذا روي من حديث عبد الله بن أبي أوفى ، وابن عمر ، وأبي أمامة  

حديث أبي هريرة : قال جعفر الفريابي : حدثنا سعيد بن حفص ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : إن في الجنة نهرا طول الجنة ، حافتاه العذارى قيام متقابلات ، يغنين بأصوات يسمعها الخلائق ، حتى ما يرون في الجنة لذة مثلها . قلنا : يا أبا هريرة ، وما ذاك الغناء ؟ قال : إن شاء الله التسبيح ، والتحميد ، والتقديس ، وثناء على الرب ، عز وجل .

وروى أبو نعيم في " صفة الجنة " من طريق مسلمة بن علي ، عن زيد بن واقد ، عن رجل ، عن أبي هريرة مرفوعا : " إن في الجنة شجرة جذوعها من [ ص: 391 ] ذهب ، وفروعها من زبرجد ولؤلؤ ، فتهب لها ريح ، فتصطفق ، فما يسمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه " .

وقد تقدم عن ابن عباس أنها تحركها الرياح ، فتتحرك بصوت كل لهو كان في الدنيا 


حديث أبي سعيد : قال ابن أبي الدنيا : حدثني إبراهيم بن سعيد ، ثنا علي بن عاصم ، ثنا سعيد بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه قال : حدثت أن في الجنة آجاما من قصب من ذهب ، حملها اللؤلؤ ، فإذا اشتهى أهل الجنة أن يسمعوا صوتا حسنا بعث الله ، عز وجل ، على تلك الآجام ريحا ، فتأتيهم بكل صوت يشتهونه
    


 حديث أنس : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا إسماعيل بن عمر ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن عبد الله بن رافع ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الحور العين ليغنين في الجنة يقلن : نحن الحور الحسان ، خلقنا لأزواج كرام "


  
 حديث ابن أبي أوفى وهو حديث غريب : قال أبو نعيم : حدثنا محمد بن جعفر - من أصله - حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا حامد بن يحيى البلخي ، حدثنا يونس بن محمد المؤدب ، حدثنا الوليد بن أبي ثور ، حدثني سعد الطائي ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن ابن أبي أوفى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يزوج إلى كل رجل من أهل الجنة أربعة آلاف بكر ، وثمانية آلاف أيم ، ومائة حوراء ، فيجتمعن في كل سبعة أيام ، فيقلن بأصوات حسان لم تسمع الخلائق بمثلها . نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، ونحن المقيمات فلا نظعن ، طوبى لمن كان لنا وكنا له "




حديث أبي أمامة : قال جعفر الفريابي : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ، [ ص: 393 ] حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن خالد بن معدان ، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه ورجليه ثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن ، وليس بمزامير الشيطان " .

وقال ابن وهب : حدثني سعيد بن أبي أيوب ، قال : قال رجل من قريش لابن شهاب : هل في الجنة سماع ; فإنه حبب إلي السماع ؟ فقال : إي والذي نفس ابن شهاب بيده ، إن في الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ والزبرجد ، تحته جوار ناهدات يتغنين بالقرآن ، ويقلن : نحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الخالدات فلا نموت . فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا ، فأجبن " الجواري " فلا يدرى أصوات الجواري أحسن أم أصوات الشجر .

قال ابن وهب : وحدثنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد : أن الحور يغنين أزواجهن ، يقلن : نحن الخيرات الحسان ، أزواج شباب كرام ، ونحن الخالدات فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، ونحن المقيمات فلا نظعن . في صدر إحداهن مكتوب : أنت حبي وأنا حبك ، انتهت نفسي عندك ، لم تر عيناي مثلك .

وقال ابن المبارك : حدثنا الأوزاعي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير : أن الحور العين يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة ، فيقلن : طالما انتظرناكم ، نحن [ ص: 394 ] الراضيات فلا نسخط . فذكره كما تقدم ، وفيه : وتقول : أنت حبي وأنا حبك ، ليس دونك مقصد ، ولا وراءك معدل .

وهذه الآثار كلها رواها ابن أبي الدنيا وغيره ، وفيها نظر .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد الحارثي ، قال : حدثت أن في الجنة آجاما من قصب من ذهب ، حملها اللؤلؤ ، فإذا اشتهى أهل الجنة أن يسمعوا صوتا حسنا بعث الله على تلك الآجام ريحا ، فتأتيهم بكل صوت يشتهونه .

وقد تقدم هذا عن أبي سعيد الخدري ، وهو وهم . والله أعلم  


نوع آخر من السماع أعلى من الذي قبله

ذكر حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، وحجاج الأسود ، عن شهر بن حوشب قال : إن الله ، عز وجل ، يقول لملائكته : إن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا ، ويدعونه من أجلي ، فأسمعوا عبادي ، فيأخذون [ ص: 395 ] بأصوات من تهليل وتسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثلها قط .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثني داود بن عمرو الضبي ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن مالك بن أنس ، عن محمد بن المنكدر قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ، ومزامير الشيطان ، أسكنوهم رياض المسك . ثم يقول للملائكة : أسمعوهم تمجيدي وتحميدي ، وأخبروهم أن لا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثني دهثم بن الفضل القرشي ، حدثنا رواد بن الجراح ، عن الأوزاعي قال : بلغني أنه ليس من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل ، فيأمره الله فيأخذ في السماع ، فما يبقى ملك مقرب في السماوات إلا قطع عليه صلاته ، فيمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث ، فيقول الله عز وجل : وعزتي وجلالي ، لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري .

وحدثني محمد بن الحسين ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار في قوله تعالى : وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ ص : 25 ] . قال : إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع ، فوضع في الجنة ، [ ص: 396 ] ثم نودي : يا داود ، مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا . قال : فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة ، فذلك قوله تعالى : وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب  

نوع آخر أعلى مما عداه

وهو سماعهم كلام الرب ، عز وجل ، إذا خاطبهم في المجامع التي يجتمعون فيها بين يديه سبحانه ، فيخاطب كل واحد منهم ، ويذكرهم بأعماله التي سلفت منه في الدنيا ، وكذلك إذا تجلى لهم جهرة ، فسلم عليهم ، وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى : سلام قولا من رب رحيم [ يس : 58 ] . وقد سبق حديث جابر في ذلك ، وهو في " سنن ابن ماجه " ، وغيره .

وقد ذكر أبو الشيخ الأصبهاني ، من طريق صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة قال : إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار ، جل جلاله ، فيقرأ عليهم القرآن ، وقد جلس كل امرئ مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد ، فلم تقر أعينهم بشيء ، ولم يسمعوا شيئا قط أعظم ولا أحسن منه ، ثم ينصرفون إلى رحالهم بأعين قريرة ، وأعينهم [ ص: 397 ] إلى مثلها من الغد متطلعة .

وروى أبو نعيم ، من حديث شبان بن جسر بن فرقد السبخي ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أبي برزة الأسلمي مرفوعا : إن أهل الجنة ليغدون في حلة ، ويروحون في حلة أخرى كغدو أحدكم ورواحه إلى ملك من ملوك الدنيا ، كذلك يغدون ويروحون إلى ربهم ، عز وجل ، وذلك لهم بمقادير ، ومعالم يعلمون تلك الساعة التي يأتون فيها ربهم ، عز وجل  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق