باب جامع
لأحكام تتعلق بالجنة وأحاديث شتى وردت فيها
قال الله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما
ألتناهم من عملهم من شيء [ الطور : 21 ] ، أي أن الله تعالي يرفع درجة الأولاد في
الجنة إلى درجة الآباء ، وإن لم يعملوا بعملهم ، ولا ينقص الآباء من أعمالهم حتى
يجمع بينهم في الدرجة العالية ليقر أعينهم باجتماعهم هم وذرياتهم .
قال الثوري ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إن الله
ليرفع ذرية المؤمن في درجته ، وإن كانوا دونه في العمل ليقر بهم عينه . ثم قرأ : (
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) . هكذا رواه ابن جرير ،
وابن أبي حاتم في " تفسيريهما ، عن الثوري موقوفا . وكذا رواه ابن جرير ، عن
شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد ، عن ابن عباس موقوفا ، [ ص: 415 ] ورواه البزار
في " مسنده " وابن مردويه في " تفسيره " ، من حديث قيس بن
الربيع ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه سلم . ورواية
الثوري وشعبة أثبت . والله أعلم .
وروى ابن أبي حاتم من حديث الليث ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في هذه الآية ، قال : هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان ، فإن كانت
منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ، ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوا
شيئا .
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن
غزوان ، حدثنا شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أظنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته
وولده ، فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك . فيقول : يا رب ، قد عملت لي [ ص: 416 ]
ولهم . فيؤمر بإلحاقهم به وقرأ ابن عباس : (والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم
بإيمان) الآية
وقال العوفي ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : والذين أدرك ذريتهم الإيمان ، فعملوا
بطاعتي ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ، وأولادهم الصغار تلحق بهم . وهذا التفسير هو
أحد أقوال العلماء في معنى الذرية هنا ، أهم الصغار فقط ، أم يشمل الصغار والكبار
أيضا ، لقوله : ومن ذريته داود وسليمان [ الأنعام : 84 ] ، وقال : ذرية من حملنا مع
نوح [ الإسراء : 3 ] ، وقال : ذرية بعضها من بعض [ آل عمران : 34 ] ، فأطلق الذرية
على الكبار ، كما أطلقها على الصغار ، وتفسير العوفي ، عن ابن عباس يشملهما ، وهو
اختيار الواحدي وغيره ، وهذا كله إنما هو إلى الله عز وجل ، فإن الخير في يديه ،
والخلق له والأمر له ، وهذا القول محكي عن الشعبي ، وأبي مجلز ، وسعيد بن جبير ،
وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، وأبي صالح ، والربيع بن أنس . وهذا من فضل الله ورحمته
على الأبناء ببركة عمل الآباء ، فأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء ، فقد
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا حماد بن [ ص: 417 ] سلمة ، عن عاصم بن أبي
النجود ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن الله ، عز وجل ، ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة ، فيقول : يا رب ،
أنى لي هذه ؟ فيقول : باستغفار ولدك لك " .
وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب ، ولكن له شاهد في " صحيح
مسلم " ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ; صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد
صالح يدعو له "
دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء
[ 1591 و ] ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن
عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وهو خمسمائة عام "
. وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن عمرو . قال الترمذي : حسن صحيح .
وله طرق عن أبي هريرة ، فمن ذلك ما رواه الثوري ، عن محمد بن زيد ، عن أبي حازم ،
عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فقراء المؤمنين [
ص: 418 ] يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وذلك خمسمائة عام " . الحديث
بطوله .
وقال أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، هو ابن شريح ، أخبرني أبو هانئ
أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي ، يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم
القيامة - يعني إلى الجنة - بأربعين خريفا " . وكذا رواه مسلم من حديث أبي
هانئ حميد بن هانئ ، به .
وقال أحمد : حدثنا حسين ، هو ابن محمد ، حدثنا داود ، هو ابن نافع ، [ ص: 419 ] عن
سلم بن بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" التقى مؤمنان على باب الجنة ، مؤمن غني ، ومؤمن فقير ، كانا في الدنيا ،
فأدخل الفقير الجنة ، وحبس الغني ، ما شاء الله أن يحبس ، ثم أدخل الجنة ، فلقيه
الفقير ، فقال : يا أخي ، ماذا حبسك ؟ والله لقد احتبست حتى خفت عليك ، فيقول : أي
أخي ، إني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ، وما وصلت إليك حتى سال مني من العرق ما
لو ورده ألف بعير ، كلها أكلت حمضا لصدرت عنه رواء " .
وثبت في " الصحيحين " من حديث أبي عثمان النهدي ، عن أسامة بن زيد ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها
المساكين ، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء " . وفي "
صحيح البخاري " ، من حديث سلم بن زرير ، عن أبي رجاء ، عن عمران بن [ ص: 420
] حصين مثله .
ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أبي رجاء عمران بن ملحان ، عن عمران
بن حصين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " نظرت في الجنة
فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، ونظرت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .
وروى مسلم ، عن شيبان بن فروخ ، عن أبي الأشهب ، عن أبي رجاء ، عن ابن عباس ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في النار ، فرأى أكثر أهلها النساء ، واطلع في
الجنة ، فرأى أكثر أهلها الفقراء . وقال أحمد : ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا شريك ،
عن أبي إسحاق ، عن السائب بن مالك ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في
النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء " . وتقدم من حديث ابن أبي شيبة :
" عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة . . " . إلى آخره . وهو في الذين
يحمدون الله في السراء والضراء الجامع لأحكام الجنة [ ص: 421 ]
فصل
والجنة والنار موجودتان الآن ، فالجنة معدة للمتقين ، والنار معدة للكافرين ; كما
نطق بذلك القرآن العظيم ، وتواترت بذلك الأخبار عن رسول رب العالمين ، وهذا اعتقاد
أهل السنة والجماعة ، رحمهم الله أجمعين ، المتمسكين بالعروة الوثقى ، وهي السنة
إلى قيام الساعة ، خلافا لمن زعم أنهما لم يخلقا بعد وإنما يخلقان يوم القيامة ، وهذا
القول قاله من لم يطلع على الأحاديث المتفق على صحتها ، وإخراجها في "
الصحيحين " وغيرهما من كتب الإسلام المعتمدة المشهورة بالأسانيد الصحيحة
والحسنة ، مما لا يمكن دفعه ولا رده ، لتواتره واشتهاره .
قال الله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] .
وقال فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين [ البقرة : 24 ] .
وقال : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد
العذاب [ غافر : 46 ] . وقال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما
كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .
وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ،
ولا [ ص: 422 ] خطر على قلب بشر ، دخرا ، بله ما أطلعكم عليه " .
وفي " الصحيحين " من حديث مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن
كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال :
هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .
، وفي " صحيح مسلم " عن ابن مسعود قال : " أرواح الشهداء في حواصل
طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك
القناديل " . وذكر الحديث .
وروينا في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " ، ثنا محمد بن إدريس الشافعي ،
عن مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، أنه قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى
يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه " .
[ ص: 423 ] وتقدم الحديث المتفق على صحته من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت
النار بالشهوات " .
وذكرنا الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن
أبي هريرة مرفوعا : " لما خلق الله تعالى الجنة قال لجبريل : اذهب فانظر
إليها " . وكذلك قال في النار .
وكذلك في الحديث الآخر : لما خلق الله تعالى الجنة قال لها : تكلمي . فقالت : قد
أفلح المؤمنون " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : يا رب
، أكل بعضي بعضا . فأذن لها بنفسين ; نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فأشد ما تجدون
من الزمهرير من بردها ، وجميع ما تجدون من الحر من فيحها ، فإذا كان الحر فأبردوا
عن الصلاة " .
وفي " الصحيحين " من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي
هريرة - وعند مسلم عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص:
424 ] " تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين .
وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ؟ فقال الله تعالى
للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : أنت عذابي أعذب بك من
أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع قدمه
عليها ، فتقول : قط قط . فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من
خلقه أحدا ، وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا " . لفظ مسلم .
وفي " الصحيحين " عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا
تزال جهنم يلقى فيها ، وتقول : هل من مزيد . حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي
بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط ، بعزتك وكرمك . ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ
الله لها خلقا ، فيسكنهم فضل الجنة " .
وقد ثبت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة
والنار ليلة أسري به .
[ ص: 425 ] فأما ما وقع في " صحيح البخاري عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم وأنه تعالى ينشئ للنار من يشاء ، فيلقى فيها ، فتقول : هل من مزيد ؟
" . فقد قال بعض الحفاظ : هذا غلط من بعض الرواة ، وكأنه اشتبه عليه ، ودخل
عليه لفظ في لفظ ، فنقل هذا الحكم من أهل الجنة إلى النار .
قلت : فإن كان محفوظا فيحتمل أنه تعالى يمتحنهم في العرصات ، كما يمتحن غيرهم ممن
لم تقم عليه الحجة في الدنيا ، فمن عصى منهم أدخله النار ، ومن استجاب أدخله الجنة
; لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ الإسراء : 15 ] . وقال تعالى :
رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا
حكيما [ النساء : 165 ] .
فصل
وقد ذكرنا فيما سلف صفة أهل الجنة حال دخولهم إليها ، وقدومهم عليها ، وأنهم يحول
خلقهم إلى طول ستين ذراعا في عرض سبعة أذرع ، وأنهم يكونون جردا مردا مكحلين في سن
أبناء ثلاث وثلاثين ، وأنهم يعربون .
قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني القاسم بن هاشم ، حدثنا صفوان بن [ ص: 426 ]
صالح ، حدثني رواد بن الجراح العسقلاني ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن
أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة
الجنة على طول آدم ، ستين ذراعا بذراع الملك ، على حسن يوسف ، وعلى ميلاد عيسى
ثلاث وثلاثين ، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، جرد مرد مكحلون " .
وروى داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لسان أهل الجنة عربي .
وقال عقيل ، عن الزهري قال : لسان أهل الجنة عربي .
وروى البيهقي من طريقين فيهما ضعف ، عن أبي كريمة المقدام بن معديكرب ، رضي الله
عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يموت سقطا ولا هرما
وإنما الناس فيما بين ذلك إلا بعث ابن ثلاثين سنة - وفي رواية : ثلاث وثلاثين سنة
- فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم ، [ ص: 427 ] وصورة يوسف ، وقلب أيوب ،
مردا مكحلين ، أولي أفانين ، ومن كان من أهل النار عظموا وفخموا كالجبال " .
وفي رواية : حتى يصير جلده أربعين باعا ، وحتى يصير ناب من أنيابه مثل أحد "
.
وثبت أنهم يأكلون ويشربون ، ولا يبولون ، ولا يتغوطون ، إنما يكون منصرف طعامهم
أنهم يعرقون ويتجشئون كرائحة المسك ، ونفسهم تسبيح وتحميد وتكبير ، وأول زمرة منهم
تدخل الجنة منهم على صورة القمر ، ثم الذين يلونهم في البهاء كأضوأ كوكب دري في
السماء ، وأنهم يجامعون ولا يولد لهم ، إلا من شاء منهم ، وأنهم لا يموتون ولا
ينامون ، لكمال حياتهم ، وكثرة لذاتهم ، وتوالي نعيمهم ومسراتهم ، وكلما ازدادوا
خلودا ازدادوا حسنا وجمالا وشبابا وقوة ، وازدادت لهم الجنة حسنا وبهاء وطيبا
وضياء ، وكانوا أرغب شيء فيها وأحرص عليها ، وكانت عندهم أعز وأغلى وألذ وأحلى ،
كما قال تعالى : خالدين فيها لا يبغون عنها حولا [ الكهف : 108 ] . وهذا عكس حال
أهل الدنيا ، ولو كان أحدهم في ألذ عيش . [ ص: 428 ]
فصل
وأعلى الخلق في الجنة منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من يدخلها ،
وأمته أول الأمم دخولا إليها ، وأول من يدخلها من هذه الأمة أبو بكر الصديق ، رضي
الله عنه ، وتقدم أن هذه الأمة يكونون في الجنة أكثر الأمم ، وأنهم يكونون ثلثي
أهل الجنة أو شطرهم ، كما تقدم : " أهل الجنة مائة وعشرون صفا ، هذه الأمة
ثمانون صفا منها " .
وفي " المسند " ، و " جامع الترمذي " ، و " سنن ابن ماجه
" ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " يدخل
فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وهو خمسمائة عام " . وإسناده
على شرط مسلم . وقال الترمذي : حسن صحيح .
وروى الطبراني من حديث الثوري ، عن محمد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة
مرفوعا مثله .
[ ص: 429 ] وروى الترمذي من طريق الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد مرفوعا مثله ،
وحسنه ، والذي رواه مسلم من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء
يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا " .
وللترمذي عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله ، وصححه ، وله عن أنس أيضا نحوه ،
واستغربه .
قلت : فإن كان الأول محفوظا ، فيكون باعتبار دخول أول الفقراء وآخر الأغنياء ، وتكون
الأربعون خريفا باعتبار دخول آخر الفقراء وأول الأغنياء . والله أعلم .
وقد روى الإمام أحمد عن إسماعيل ابن علية ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن
هارون ، كلاهما عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير ، عن عامر العقيلي ، عن
أبيه ، عن أبي هريرة ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرض علي
أول ثلاثة يدخلون الجنة من أمتي ، وأول ثلاثة يدخلون النار " . [ ص: 430 ]
وذكر الحديث كما تقدم قريبا .
ورواه الترمذي من طريق ابن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، وقال : حسن . ولم يذكر
الثلاثة الذين هم من أهل النار .
وثبت في " صحيح مسلم " ، من حديث عياض بن حمار المجاشعي ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " أهل الجنة ثلاثة ، ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل
رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال . وأهل النار خمسة ، الضعيف
الذي لا زبر له ، الذين هم فيكم تبعا ، لا يبغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا
يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك
ومالك " . وذكر البخل والكذب ، " والشنظير الفحاش .
[ ص: 431 ] وتقدمت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها
النساء والأغنياء " .
وتقدم الحديث الوارد من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، عن ابن عباس مرفوعا :
" أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء
والضراء " .
وثبت في " الصحيحين " من حديث سفيان الثوري ، وشعبة ، عن معبد بن خالد ،
عن حارثة بن وهب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا أخبركم بأهل
الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل
جواظ مستكبر .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا موسى بن علي بن
رباح ، سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول [ ص: 432 ] الله صلى الله
عليه وسلم قال : " أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر ، جماع مناع ، وأهل الجنة
الضعفاء المغلوبون " .
وقال الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا أبو
هلال الراسبي ، حدثنا عقبة بن أبي ثبيت الراسبي ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء
الناس خيرا وهو يسمع ، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع "
.
وكذا رواه ابن ماجه من حديث مسلم بن إبراهيم .
وقال القاضي أبو عبيد " علي بن الحسين بن حربويه ، حدثنا محمد بن صالح ،
حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة ،
والصديق في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره
إلا لله في الجنة ، ونساؤكم من أهل الجنة العئود الودود الولود ، التي إذا غضب
زوجها أو غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ، [ ص: 433 ] ثم تقول : لا أذوق غمضا
حتى ترضى " . وروى النسائي بعضه ، من حديث خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم يحيى
بن دينار ، به .
فصل
هذه الأمة أكثر أهل الجنة ، وأعلاهم منازل ، وأول من يدخل الجنة صدرها ، كما قال
تعالى في صفة المقربين : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين [ الواقعة : 13 ، 14 ] .
وقال في صفة أهل اليمين : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين [ الواقعة : 39 ، 40 ] .
وثبت في " الصحيحين " : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم
الذين يلونهم . ثم يكون قوم يحبون السمن أو السمانة ، ينذرون ولا يفون ، ويشهدون
ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون " .
وخيار الصدر الأول الصحابة ، كما قال ابن مسعود : من كان منكم مستنا فليستن بمن قد
مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد ، أبر هذه الأمة قلوبا ،
وأصدقها ألسنة ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، [ ص: 434 ] قوم اختارهم الله لصحبة
رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم حقهم ، واقتدوا بهم; فإنهم
كانوا على الهدى المستقيم .
وتقدم أن هذه الأمة يدخل منهم إلى الجنة سبعون ألفا بغير حساب .
وفي " صحيح مسلم " : " مع كل ألف سبعون ألفا " . وفي رواية
أحمد : " مع كل واحد سبعون ألفا " . وهذا ذكر أطراف الحديث ، وإشارة إلى
طرقه وألفاظه .
وفي " الصحيحين " من رواية حصين بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرضت علي الأمم ، فرأيت
النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد ، إذ رفع لي
سواد عظيم فظننت أنهم أمتي ، فقيل لي : هذا موسى وقومه ، ولكن انظر إلى الأفق .
فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير
حساب ، ولا عذاب " . وفيه : " هم الذين لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا
يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " . فقام عكاشة بن محصن . وقد تقدم هذا كله .
[ ص: 435 ] وقال هشام بن عمار خطيب دمشق ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، واللفظ له :
حدثنا إسماعيل بن عياش ، أخبرني محمد بن زياد الألهاني ، سمعت أبا أمامة ، سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي
سبعين ألفا ، مع كل ألف سبعين ألفا ، لا حساب عليهم ، ولا عذاب ، وثلاث حثيات من
حثيات ربي ، عز وجل " .
وكذا رواه أبو بكر بن أبي عاصم ، عن دحيم ، عن الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو
، عن سليم بن عامر ، وأبي اليمان عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني ، عن أبي أمامة
، فذكر مثله .
وروى الطبراني ، من حديث عامر بن زيد البكالي ، عن عتبة بن عبد السلمي ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله . ورواه أيضا من طريق أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان مثله ،
ولم يذكر : " ثلاث حثيات " . وله من حديث قيس الكندي ، عن أبي سعيد
الأنماري مثله ، وذكر فيه : " ثلاث حثياث " . وقد قدمنا بقية طرقه
بألفاظها . والله سبحانه أعلم
بيان وجود الجنة والنار ، وأنهما مخلوقتان موجودتان ، خلافا لمن زعم خلاف ذلك
قال الله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] .
وقال : أعدت للذين آمنوا بالله ورسله [ الحديد : 21 ] . وقال : واتقوا النار التي
أعدت للكافرين آل عمران : [ 131 ] وقال تعالى في حق آل فرعون : النار يعرضون عليها
غدوا وعشيا غافر : [ 46 ] الآية . وقال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [
السجدة : 17 ] .
وفي " الصحيحين " ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
: " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ،
ولا خطر على قلب بشر ، دخرا ، بله كل ما أطلعكم عليه " . ثم قرأ : فلا تعلم
نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .
وفي " الصحيحين " من حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي
، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال
: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .
[ ص: 437 ] وفي " صحيح مسلم " عن ابن مسعود : " أرواح الشهداء في
حواصل طير خضر ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة في العرش
" . وذكر الحديث
وروينا في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي
، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى
يرجعه الله ، إلى جسده يوم يبعثه " .
وتقدم الحديث المتفق على صحته ، من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج " عن أبي
هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت
النار بالشهوات " .
وذكرنا الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن
أبي هريرة مرفوعا : " لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها "
. وكذلك قال في النار .
وكذلك الحديث الآخر : " لما خلق الله الجنة قال لها : تكلمي . فقالت : قد
أفلح المؤمنون " .
وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، وعند مسلم عن أبي سعيد ، عن [ ص: 438 ]
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحاجت الجنة والنار " . الحديث .
وفيهما عن ابن عمر مرفوعا : " الحمى من فيح جهنم " .
وفيهما عن أبي ذر مرفوعا : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر
من فيح جهنم " .
وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة : " إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب
الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " . وقد ذكرنا في حديث الإسراء
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار ليلتئذ ، قال الله تعالى : ولقد
رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى [ النجم : 13 - 15 ] . وقال في
صفة سدرة المنتهى : " إنه يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان " .
وذكر أن الباطنين في الجنة
وفي " الصحيحين " : " ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ،
وإذا ترابها المسك " .
وفي " صحيح البخاري من حديث قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [
ص: 439 ] قال : " بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر
المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك " .
وفي مناقب عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دخلت الجنة فرأيت جارية
توضأ عند قصر ، فقلت : لمن أنت ؟ فقالت لعمر بن الخطاب . فأردت أن أدخله فذكرت
غيرتك " . فبكى عمر ، رضي الله عنه ، وقال : أوعليك أغار يا رسول الله ؟ !
والحديث في " الصحيحين " عن جابر .
وقال عليه السلام لبلال : " أدخلت الجنة فسمعت خشف نعليك أمامي ، فأخبرني
بأرجى عمل عملته في الإسلام " . فقال : ما توضأت إلا وصليت ركعتين . الحديث .
وأخبر عن الرميصاء أنه رآها في الجنة . أخرجاه عن جابر .
وأخبر في يوم صلاة الكسوف أنه عرضت عليه الجنة والنار - وفي رواية : دنت منه الجنة
والنار - وأنه هم أن يأخذ من الجنة قطفا من عنب ، وقال : " لو أخذته لأكلتم
منه ما بقيت الدنيا "
[ ص: 440 ] وفي " الصحيحين " من طريق الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في
النار " .
وقال في الحديث الآخر : " ورأيت فيها صاحب المحجن " . وقال : "
دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من
خشاش الأرض ، فلقد رأيتها تخمشها " . وأخبر عن الرجل الذي نحى غصن شوك عن
طريق الناس ، قال : " فلقد رأيته يستظل به في الجنة " . وهو في "
صحيح مسلم " عن أبي هريرة بلفظ آخر .
وفي الصحيحين " عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها
النساء " .
وفي " صحيح مسلم " من طريق المختار بن فلفل ، عن أنس ، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا
ولبكيتم [ ص: 441 ] كثيرا " . قالوا : يا رسول الله ، وما رأيت ؟ قال :
" رأيت الجنة والنار " . وأخبر أن المتوضئ إذا قال بعد وضوئه : أشهد أن
لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل
من أيها شاء .
وفي " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، عن عدي ، عن البراء بن عازب قال :
لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن له مرضعا في
الجنة " .
وقال الله تعالى : وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا
تقربا هذه الشجرة [ البقرة : 35 ] . والجمهور على أن هذه الجنة جنة المأوى ، وذهب
طائفة آخرون إلى أنها جنة في الأرض خلقها الله له ، ثم أخرجه منها ، وقد تقدم ذلك
مبسوطا في هذا الكتاب في أوله في قصة آدم .
وقال البيهقي : حدثنا الحاكم ، حدثنا الأصم ، حدثنا حميد بن عياش الرملي ، حدثنا
مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن الأصبهاني ، عن أبي حازم ، عن أبي
هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أولاد المؤمنين في جبل في
الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة " . وكذا رواه
وكيع ، عن سفيان ، وهو الثوري ، والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، وقد [ ص: 442 ] أوردنا
كثيرا منها بأسانيدها ومتونها فيما تقدم
وثبت في " صحيح مسلم " ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة
بأربعين خريفا " . وكذا روى الترمذي ، من حديث جابر وصححه ، وأنس واستغربه ،
وللترمذي من حديث أبي هريرة وصححه وأبي سعيد وحسنه : " بنصف يوم خمسمائة عام
" . وقد تقدم هذا كله .
قلت : فإن كان هذا محفوظا كما صححه الترمذي ، فيحتمل أن يكون ذلك باعتبار دخول أول
الفقراء وآخر الأغنياء ، وتكون الأربعون خريفا باعتبار ما بين دخول آخر الفقراء
وأول الأغنياء . والله أعلم .
وقد أشار إلى ذلك القرطبي في " التذكرة ، حيث قال : وقد يكون ذلك باختلاف
أحوال الفقراء والأغنياء . يشير إلى ما ذكرناه
فصل
قال الزهري : كلام أهل الجنة عربي . وقال سفيان الثوري : بلغنا أن الناس يتكلمون
يوم القيامة بالسريانية ، فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية
في المرأة تتزوج في الدنيا بأزواج ثم تدخل الجنة ; فلمن تكون منهم ؟ فذكر القرطبي
في " التذكرة " من طريق ابن وهب عن مالك : أن أسماء بنت أبي بكر شكت
زوجها الزبير إلى أبيها ، فقال : يا بنية ، اصبري ، فإن الزبير رجل صالح ، ولعله
يكون زوجك في الجنة . قال : ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر المرأة تزوجها في الجنة
. قال أبو بكر بن العربي : هذا حديث غريب .
وقد روي عن أبي الدرداء ، وحذيفة بن اليمان أن المرأة تكون لآخر أزواجها في الدنيا
.
[ ص: 444 ] وجاء أنها تكون لأحسنهم خلقا . قال أبو بكر النجاد : حدثنا جعفر بن
محمد بن شاكر ، حدثنا عبيد بن إسحاق العطار ، حدثنا سنان بن هارون ، عن حميد ، عن
أنس ; أن أم حبيبة قالت : يا رسول الله ، المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا
فأيهما يكون في الآخرة ؟ فقال : " لأحسنهما خلقا ، كان معها في الدنيا "
. ثم قال : " يا أم حبيبة ، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " . وقد
روي عن أم سلمة نحو هذا .
والله أعلم . آخر الكتاب والحمد لله
الثلاثاء، 24 مايو 2016
1.فصل المرأة تتزوج بأزواج في الدنيا ثم تدخل الجنة فلمن تكون؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق