الثلاثاء، 24 مايو 2016

1.فصل المرأة تتزوج بأزواج في الدنيا ثم تدخل الجنة فلمن تكون؟

باب جامع لأحكام تتعلق بالجنة وأحاديث شتى وردت فيها
قال الله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء [ الطور : 21 ] ، أي أن الله تعالي يرفع درجة الأولاد في الجنة إلى درجة الآباء ، وإن لم يعملوا بعملهم ، ولا ينقص الآباء من أعمالهم حتى يجمع بينهم في الدرجة العالية ليقر أعينهم باجتماعهم هم وذرياتهم .
قال الثوري ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته ، وإن كانوا دونه في العمل ليقر بهم عينه . ثم قرأ : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) . هكذا رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم في " تفسيريهما ، عن الثوري موقوفا . وكذا رواه ابن جرير ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد ، عن ابن عباس موقوفا ، [ ص: 415 ] ورواه البزار في " مسنده " وابن مردويه في " تفسيره " ، من حديث قيس بن الربيع ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه سلم . ورواية الثوري وشعبة أثبت . والله أعلم .
وروى ابن أبي حاتم من حديث الليث ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان ، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ، ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوا شيئا .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ، حدثنا شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أظنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ، فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك . فيقول : يا رب ، قد عملت لي [ ص: 416 ] ولهم . فيؤمر بإلحاقهم به وقرأ ابن عباس : (والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان) الآية

وقال العوفي ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : والذين أدرك ذريتهم الإيمان ، فعملوا بطاعتي ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ، وأولادهم الصغار تلحق بهم . وهذا التفسير هو أحد أقوال العلماء في معنى الذرية هنا ، أهم الصغار فقط ، أم يشمل الصغار والكبار أيضا ، لقوله : ومن ذريته داود وسليمان [ الأنعام : 84 ] ، وقال : ذرية من حملنا مع نوح [ الإسراء : 3 ] ، وقال : ذرية بعضها من بعض [ آل عمران : 34 ] ، فأطلق الذرية على الكبار ، كما أطلقها على الصغار ، وتفسير العوفي ، عن ابن عباس يشملهما ، وهو اختيار الواحدي وغيره ، وهذا كله إنما هو إلى الله عز وجل ، فإن الخير في يديه ، والخلق له والأمر له ، وهذا القول محكي عن الشعبي ، وأبي مجلز ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، وأبي صالح ، والربيع بن أنس . وهذا من فضل الله ورحمته على الأبناء ببركة عمل الآباء ، فأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء ، فقد قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا حماد بن [ ص: 417 ] سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ، عز وجل ، ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة ، فيقول : يا رب ، أنى لي هذه ؟ فيقول : باستغفار ولدك لك " .

وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب ، ولكن له شاهد في " صحيح مسلم " ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ; صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "

دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء

[ 1591 و ] ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وهو خمسمائة عام " . وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن عمرو . قال الترمذي : حسن صحيح .

وله طرق عن أبي هريرة ، فمن ذلك ما رواه الثوري ، عن محمد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فقراء المؤمنين [ ص: 418 ] يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وذلك خمسمائة عام " . الحديث بطوله .

وقال أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، هو ابن شريح ، أخبرني أبو هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي ، يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة - يعني إلى الجنة - بأربعين خريفا " . وكذا رواه مسلم من حديث أبي هانئ حميد بن هانئ ، به .

وقال أحمد : حدثنا حسين ، هو ابن محمد ، حدثنا داود ، هو ابن نافع ، [ ص: 419 ] عن سلم بن بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التقى مؤمنان على باب الجنة ، مؤمن غني ، ومؤمن فقير ، كانا في الدنيا ، فأدخل الفقير الجنة ، وحبس الغني ، ما شاء الله أن يحبس ، ثم أدخل الجنة ، فلقيه الفقير ، فقال : يا أخي ، ماذا حبسك ؟ والله لقد احتبست حتى خفت عليك ، فيقول : أي أخي ، إني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ، وما وصلت إليك حتى سال مني من العرق ما لو ورده ألف بعير ، كلها أكلت حمضا لصدرت عنه رواء " .

وثبت في " الصحيحين " من حديث أبي عثمان النهدي ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين ، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء " . وفي " صحيح البخاري " ، من حديث سلم بن زرير ، عن أبي رجاء ، عن عمران بن [ ص: 420 ] حصين مثله .

ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أبي رجاء عمران بن ملحان ، عن عمران بن حصين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " نظرت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، ونظرت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .

وروى مسلم ، عن شيبان بن فروخ ، عن أبي الأشهب ، عن أبي رجاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في النار ، فرأى أكثر أهلها النساء ، واطلع في الجنة ، فرأى أكثر أهلها الفقراء . وقال أحمد : ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن السائب بن مالك ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء " . وتقدم من حديث ابن أبي شيبة : " عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة . . " . إلى آخره . وهو في الذين يحمدون الله في السراء والضراء  الجامع لأحكام الجنة [ ص: 421 ]



فصل

والجنة والنار موجودتان الآن ، فالجنة معدة للمتقين ، والنار معدة للكافرين ; كما نطق بذلك القرآن العظيم ، وتواترت بذلك الأخبار عن رسول رب العالمين ، وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة ، رحمهم الله أجمعين ، المتمسكين بالعروة الوثقى ، وهي السنة إلى قيام الساعة ، خلافا لمن زعم أنهما لم يخلقا بعد وإنما يخلقان يوم القيامة ، وهذا القول قاله من لم يطلع على الأحاديث المتفق على صحتها ، وإخراجها في " الصحيحين " وغيرهما من كتب الإسلام المعتمدة المشهورة بالأسانيد الصحيحة والحسنة ، مما لا يمكن دفعه ولا رده ، لتواتره واشتهاره .

قال الله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . وقال فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين [ البقرة : 24 ] . وقال : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ غافر : 46 ] . وقال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا [ ص: 422 ] خطر على قلب بشر ، دخرا ، بله ما أطلعكم عليه " .

وفي " الصحيحين " من حديث مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .

، وفي " صحيح مسلم " عن ابن مسعود قال : " أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل " . وذكر الحديث .

وروينا في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " ، ثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه " .

[ ص: 423 ] وتقدم الحديث المتفق على صحته من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " .

وذكرنا الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " لما خلق الله تعالى الجنة قال لجبريل : اذهب فانظر إليها " . وكذلك قال في النار .

وكذلك في الحديث الآخر : لما خلق الله تعالى الجنة قال لها : تكلمي . فقالت : قد أفلح المؤمنون " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : يا رب ، أكل بعضي بعضا . فأذن لها بنفسين ; نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فأشد ما تجدون من الزمهرير من بردها ، وجميع ما تجدون من الحر من فيحها ، فإذا كان الحر فأبردوا عن الصلاة " .

وفي " الصحيحين " من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة - وعند مسلم عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 424 ] " تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ؟ فقال الله تعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها ، فتقول : قط قط . فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا " . لفظ مسلم .

وفي " الصحيحين " عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال جهنم يلقى فيها ، وتقول : هل من مزيد . حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط ، بعزتك وكرمك . ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا ، فيسكنهم فضل الجنة " .

وقد ثبت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار ليلة أسري به .

[ ص: 425 ] فأما ما وقع في " صحيح البخاري عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه تعالى ينشئ للنار من يشاء ، فيلقى فيها ، فتقول : هل من مزيد ؟ " . فقد قال بعض الحفاظ : هذا غلط من بعض الرواة ، وكأنه اشتبه عليه ، ودخل عليه لفظ في لفظ ، فنقل هذا الحكم من أهل الجنة إلى النار .

قلت : فإن كان محفوظا فيحتمل أنه تعالى يمتحنهم في العرصات ، كما يمتحن غيرهم ممن لم تقم عليه الحجة في الدنيا ، فمن عصى منهم أدخله النار ، ومن استجاب أدخله الجنة ; لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ الإسراء : 15 ] . وقال تعالى : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما [ النساء : 165 ] .

فصل

وقد ذكرنا فيما سلف صفة أهل الجنة حال دخولهم إليها ، وقدومهم عليها ، وأنهم يحول خلقهم إلى طول ستين ذراعا في عرض سبعة أذرع ، وأنهم يكونون جردا مردا مكحلين في سن أبناء ثلاث وثلاثين ، وأنهم يعربون .

قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني القاسم بن هاشم ، حدثنا صفوان بن [ ص: 426 ] صالح ، حدثني رواد بن الجراح العسقلاني ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ، ستين ذراعا بذراع الملك ، على حسن يوسف ، وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين ، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، جرد مرد مكحلون " .

وروى داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لسان أهل الجنة عربي .

وقال عقيل ، عن الزهري قال : لسان أهل الجنة عربي .

وروى البيهقي من طريقين فيهما ضعف ، عن أبي كريمة المقدام بن معديكرب ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يموت سقطا ولا هرما وإنما الناس فيما بين ذلك إلا بعث ابن ثلاثين سنة - وفي رواية : ثلاث وثلاثين سنة - فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم ، [ ص: 427 ] وصورة يوسف ، وقلب أيوب ، مردا مكحلين ، أولي أفانين ، ومن كان من أهل النار عظموا وفخموا كالجبال " . وفي رواية : حتى يصير جلده أربعين باعا ، وحتى يصير ناب من أنيابه مثل أحد " .

وثبت أنهم يأكلون ويشربون ، ولا يبولون ، ولا يتغوطون ، إنما يكون منصرف طعامهم أنهم يعرقون ويتجشئون كرائحة المسك ، ونفسهم تسبيح وتحميد وتكبير ، وأول زمرة منهم تدخل الجنة منهم على صورة القمر ، ثم الذين يلونهم في البهاء كأضوأ كوكب دري في السماء ، وأنهم يجامعون ولا يولد لهم ، إلا من شاء منهم ، وأنهم لا يموتون ولا ينامون ، لكمال حياتهم ، وكثرة لذاتهم ، وتوالي نعيمهم ومسراتهم ، وكلما ازدادوا خلودا ازدادوا حسنا وجمالا وشبابا وقوة ، وازدادت لهم الجنة حسنا وبهاء وطيبا وضياء ، وكانوا أرغب شيء فيها وأحرص عليها ، وكانت عندهم أعز وأغلى وألذ وأحلى ، كما قال تعالى : خالدين فيها لا يبغون عنها حولا [ الكهف : 108 ] . وهذا عكس حال أهل الدنيا ، ولو كان أحدهم في ألذ عيش . [ ص: 428 ]

فصل

وأعلى الخلق في الجنة منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من يدخلها ، وأمته أول الأمم دخولا إليها ، وأول من يدخلها من هذه الأمة أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وتقدم أن هذه الأمة يكونون في الجنة أكثر الأمم ، وأنهم يكونون ثلثي أهل الجنة أو شطرهم ، كما تقدم : " أهل الجنة مائة وعشرون صفا ، هذه الأمة ثمانون صفا منها " .

وفي " المسند " ، و " جامع الترمذي " ، و " سنن ابن ماجه " ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وهو خمسمائة عام " . وإسناده على شرط مسلم . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وروى الطبراني من حديث الثوري ، عن محمد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة مرفوعا مثله .

[ ص: 429 ] وروى الترمذي من طريق الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد مرفوعا مثله ، وحسنه ، والذي رواه مسلم من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا " .

وللترمذي عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله ، وصححه ، وله عن أنس أيضا نحوه ، واستغربه .

قلت : فإن كان الأول محفوظا ، فيكون باعتبار دخول أول الفقراء وآخر الأغنياء ، وتكون الأربعون خريفا باعتبار دخول آخر الفقراء وأول الأغنياء . والله أعلم .

وقد روى الإمام أحمد عن إسماعيل ابن علية ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، كلاهما عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير ، عن عامر العقيلي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة من أمتي ، وأول ثلاثة يدخلون النار " . [ ص: 430 ] وذكر الحديث كما تقدم قريبا .

ورواه الترمذي من طريق ابن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، وقال : حسن . ولم يذكر الثلاثة الذين هم من أهل النار .

وثبت في " صحيح مسلم " ، من حديث عياض بن حمار المجاشعي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أهل الجنة ثلاثة ، ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال . وأهل النار خمسة ، الضعيف الذي لا زبر له ، الذين هم فيكم تبعا ، لا يبغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " . وذكر البخل والكذب ، " والشنظير الفحاش .

[ ص: 431 ] وتقدمت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء والأغنياء " .

وتقدم الحديث الوارد من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، عن ابن عباس مرفوعا : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء " .

وثبت في " الصحيحين " من حديث سفيان الثوري ، وشعبة ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة بن وهب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا موسى بن علي بن رباح ، سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول [ ص: 432 ] الله صلى الله عليه وسلم قال : " أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر ، جماع مناع ، وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون " .

وقال الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا أبو هلال الراسبي ، حدثنا عقبة بن أبي ثبيت الراسبي ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع ، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع " .

وكذا رواه ابن ماجه من حديث مسلم بن إبراهيم .

وقال القاضي أبو عبيد " علي بن الحسين بن حربويه ، حدثنا محمد بن صالح ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة ، والصديق في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة ، ونساؤكم من أهل الجنة العئود الودود الولود ، التي إذا غضب زوجها أو غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ، [ ص: 433 ] ثم تقول : لا أذوق غمضا حتى ترضى " . وروى النسائي بعضه ، من حديث خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم يحيى بن دينار ، به .

فصل

هذه الأمة أكثر أهل الجنة ، وأعلاهم منازل ، وأول من يدخل الجنة صدرها ، كما قال تعالى في صفة المقربين : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين [ الواقعة : 13 ، 14 ] . وقال في صفة أهل اليمين : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين [ الواقعة : 39 ، 40 ] .

وثبت في " الصحيحين " : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . ثم يكون قوم يحبون السمن أو السمانة ، ينذرون ولا يفون ، ويشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون " .

وخيار الصدر الأول الصحابة ، كما قال ابن مسعود : من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد ، أبر هذه الأمة قلوبا ، وأصدقها ألسنة ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، [ ص: 434 ] قوم اختارهم الله لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم حقهم ، واقتدوا بهم; فإنهم كانوا على الهدى المستقيم .

وتقدم أن هذه الأمة يدخل منهم إلى الجنة سبعون ألفا بغير حساب .

وفي " صحيح مسلم " : " مع كل ألف سبعون ألفا " . وفي رواية أحمد : " مع كل واحد سبعون ألفا " . وهذا ذكر أطراف الحديث ، وإشارة إلى طرقه وألفاظه .

وفي " الصحيحين " من رواية حصين بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرضت علي الأمم ، فرأيت النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد ، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي ، فقيل لي : هذا موسى وقومه ، ولكن انظر إلى الأفق . فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ، ولا عذاب " . وفيه : " هم الذين لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " . فقام عكاشة بن محصن . وقد تقدم هذا كله .

[ ص: 435 ] وقال هشام بن عمار خطيب دمشق ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، واللفظ له : حدثنا إسماعيل بن عياش ، أخبرني محمد بن زياد الألهاني ، سمعت أبا أمامة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا ، مع كل ألف سبعين ألفا ، لا حساب عليهم ، ولا عذاب ، وثلاث حثيات من حثيات ربي ، عز وجل " .

وكذا رواه أبو بكر بن أبي عاصم ، عن دحيم ، عن الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن سليم بن عامر ، وأبي اليمان عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني ، عن أبي أمامة ، فذكر مثله .

وروى الطبراني ، من حديث عامر بن زيد البكالي ، عن عتبة بن عبد السلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . ورواه أيضا من طريق أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان مثله ، ولم يذكر : " ثلاث حثيات " . وله من حديث قيس الكندي ، عن أبي سعيد الأنماري مثله ، وذكر فيه : " ثلاث حثياث " . وقد قدمنا بقية طرقه بألفاظها . والله سبحانه أعلم


بيان وجود الجنة والنار ، وأنهما مخلوقتان موجودتان ، خلافا لمن زعم خلاف ذلك

قال الله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . وقال : أعدت للذين آمنوا بالله ورسله [ الحديد : 21 ] . وقال : واتقوا النار التي أعدت للكافرين آل عمران : [ 131 ] وقال تعالى في حق آل فرعون : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا غافر : [ 46 ] الآية . وقال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ السجدة : 17 ] .

وفي " الصحيحين " ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، دخرا ، بله كل ما أطلعكم عليه " . ثم قرأ : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .

وفي " الصحيحين " من حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .

[ ص: 437 ] وفي " صحيح مسلم " عن ابن مسعود : " أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة في العرش " . وذكر الحديث

وروينا في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله ، إلى جسده يوم يبعثه " .

وتقدم الحديث المتفق على صحته ، من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج " عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " .

وذكرنا الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها " . وكذلك قال في النار .

وكذلك الحديث الآخر : " لما خلق الله الجنة قال لها : تكلمي . فقالت : قد أفلح المؤمنون " .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، وعند مسلم عن أبي سعيد ، عن [ ص: 438 ] النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحاجت الجنة والنار " . الحديث .

وفيهما عن ابن عمر مرفوعا : " الحمى من فيح جهنم " .

وفيهما عن أبي ذر مرفوعا : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة : " إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " . وقد ذكرنا في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار ليلتئذ ، قال الله تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى [ النجم : 13 - 15 ] . وقال في صفة سدرة المنتهى : " إنه يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان " . وذكر أن الباطنين في الجنة

وفي " الصحيحين " : " ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " .

وفي " صحيح البخاري من حديث قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 439 ] قال : " بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك " .

وفي مناقب عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دخلت الجنة فرأيت جارية توضأ عند قصر ، فقلت : لمن أنت ؟ فقالت لعمر بن الخطاب . فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك " . فبكى عمر ، رضي الله عنه ، وقال : أوعليك أغار يا رسول الله ؟ ! والحديث في " الصحيحين " عن جابر .

وقال عليه السلام لبلال : " أدخلت الجنة فسمعت خشف نعليك أمامي ، فأخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام " . فقال : ما توضأت إلا وصليت ركعتين . الحديث .

وأخبر عن الرميصاء أنه رآها في الجنة . أخرجاه عن جابر .

وأخبر في يوم صلاة الكسوف أنه عرضت عليه الجنة والنار - وفي رواية : دنت منه الجنة والنار - وأنه هم أن يأخذ من الجنة قطفا من عنب ، وقال : " لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا "

[ ص: 440 ] وفي " الصحيحين " من طريق الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار " .

وقال في الحديث الآخر : " ورأيت فيها صاحب المحجن " . وقال : " دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، فلقد رأيتها تخمشها " . وأخبر عن الرجل الذي نحى غصن شوك عن طريق الناس ، قال : " فلقد رأيته يستظل به في الجنة " . وهو في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة بلفظ آخر .

وفي الصحيحين " عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .

وفي " صحيح مسلم " من طريق المختار بن فلفل ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم [ ص: 441 ] كثيرا " . قالوا : يا رسول الله ، وما رأيت ؟ قال : " رأيت الجنة والنار " . وأخبر أن المتوضئ إذا قال بعد وضوئه : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء .

وفي " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، عن عدي ، عن البراء بن عازب قال : لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن له مرضعا في الجنة " .

وقال الله تعالى : وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة [ البقرة : 35 ] . والجمهور على أن هذه الجنة جنة المأوى ، وذهب طائفة آخرون إلى أنها جنة في الأرض خلقها الله له ، ثم أخرجه منها ، وقد تقدم ذلك مبسوطا في هذا الكتاب في أوله في قصة آدم .

وقال البيهقي : حدثنا الحاكم ، حدثنا الأصم ، حدثنا حميد بن عياش الرملي ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن الأصبهاني ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة " . وكذا رواه وكيع ، عن سفيان ، وهو الثوري ، والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، وقد [ ص: 442 ] أوردنا كثيرا منها بأسانيدها ومتونها فيما تقدم
وثبت في " صحيح مسلم " ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا " . وكذا روى الترمذي ، من حديث جابر وصححه ، وأنس واستغربه ، وللترمذي من حديث أبي هريرة وصححه وأبي سعيد وحسنه : " بنصف يوم خمسمائة عام " . وقد تقدم هذا كله .

قلت : فإن كان هذا محفوظا كما صححه الترمذي ، فيحتمل أن يكون ذلك باعتبار دخول أول الفقراء وآخر الأغنياء ، وتكون الأربعون خريفا باعتبار ما بين دخول آخر الفقراء وأول الأغنياء . والله أعلم .

وقد أشار إلى ذلك القرطبي في " التذكرة ، حيث قال : وقد يكون ذلك باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء . يشير إلى ما ذكرناه
فصل
قال الزهري : كلام أهل الجنة عربي . وقال سفيان الثوري : بلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة بالسريانية ، فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية
في المرأة تتزوج في الدنيا بأزواج ثم تدخل الجنة ; فلمن تكون منهم ؟ فذكر القرطبي في " التذكرة " من طريق ابن وهب عن مالك : أن أسماء بنت أبي بكر شكت زوجها الزبير إلى أبيها ، فقال : يا بنية ، اصبري ، فإن الزبير رجل صالح ، ولعله يكون زوجك في الجنة . قال : ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر المرأة تزوجها في الجنة . قال أبو بكر بن العربي : هذا حديث غريب .
وقد روي عن أبي الدرداء ، وحذيفة بن اليمان أن المرأة تكون لآخر أزواجها في الدنيا .
[ ص: 444 ] وجاء أنها تكون لأحسنهم خلقا . قال أبو بكر النجاد : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، حدثنا عبيد بن إسحاق العطار ، حدثنا سنان بن هارون ، عن حميد ، عن أنس ; أن أم حبيبة قالت : يا رسول الله ، المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا فأيهما يكون في الآخرة ؟ فقال : " لأحسنهما خلقا ، كان معها في الدنيا " . ثم قال : " يا أم حبيبة ، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " . وقد روي عن أم سلمة نحو هذا .

والله أعلم . آخر الكتاب والحمد لله 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق